لكل السوريين

المشاركة النسائية المجتمعية إلى الوراء في غرب سوريا، والسبب التنمر

عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي أو عن طريق الخطابات البراقة، تعاني المراكز المختصة بدعم النساء غرب سوريا، من حملات تحريض متكررة، ناسفين كل ما تقوم به المرأة من مشاركات، ولم تكن هذه الحملات ليس الأولى ولم تكن الأخيرة.

سواء كانت المرأة تعمل في المجال الإنساني، أو التوعوي أو الإعلامي، أو أي من المجالات التي يهيمن عليها الرجال في المجتمع، عليها تحمل مستويات من “التنمر”، تبدأ عند تلميحات أن “مكانها المطبخ” ولا تملك ما يكفي من المهارة للعمل، وتصل إلى حد التهديد المباشر أو حتى العنف.

سعاد سالم، أحدا العاملات في مجال دعم وتمكين المرأة، تقول في كل صباح نسمع الكثير من الأحاديث العنصرية بحق المرأة، كما يقوم البعض بشق وتخريب اللافتات التي تعلو المكاتب والأبواب، وتابعت نقوم كل شهر بتجديد اللافتات التي يتم تمزيقها بشكل دوري.

وتقول سعاد، لا نعرف بشكل رسمي لماذا كل هذا الكم الهائل من التحريض والتنمر على عمل المرأة سوى وجود بعض الأفكار المغايرة التي يحملها المجتمع، ولم تتوقف القصة عند سعاد فقط بل طالت الكثير من السوريات اللواتي يشّكن نفس القصة بشكل شخصي وأو بشكل عام.

ويكفي للمراكز أن تختص بدعم المرأة لتكون عرضة لتهمة “النسوية”، ذات السمعة السيئة في شمال غربي سوريا، والتي توصف بحملها “مخططاً يسعى لتفرقة الأسر”، وهو ما يردده المعارضون لتلك المنظمات بداية قبل أن يبدأ الحديث عن كل مجالات عمل النساء والتنديد بفكرة خروجها من منزلها بالأصل.

وفي حديث لأحد رجال الدين عن عمل المرأة، قال برأيي إن العمل مباح “بشروط”، منها أن يكون بإذن من الزوج وأن تكون هناك حاجة مادية له وألا يكون تضييعاً لما هو “أوجب من رعاية بيتها والقيام بشؤون زوجها وأولادها”، إضافة إلى أن يكون عملها “متناسباً وملائماً لها جسدياً ونفسياً وألا يكون شاقاً”.

وأضاف رجال الدين في المنطقة “ينبهون للآثار السلبية الناجمة عن عمل المرأة”، مثل إهمال بيتها وزوجها وأولادها وتمردها على الزوج وخروجها عن طاعته، مع التنبيه لـ “خطورة بعض المنظمات النسوية التي تدعي حرصها على حقوق المرأة وكرامتها وتبث أفكارها المسمومة في عقل المرأة وتدعوها للتمرد”، حسبما قال، مضيفاً أن المجتمع بحاجة لعمل النساء لتكمل دور الرجل.

من مجموع الأسر في شمال غربي سوريا 21% فقط لديها أكثر من شخص عامل، وهو ما أعاده تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)، الصادر نهاية عام 2022، إلى نقص مشاركة النساء بسوق العمل ضمن المنطقة، إلا أن الحاجة والضغوط الاقتصادية زادت من أعداد النساء العاملات في سوريا ما بين عامي 2021 و2022، وفقاً لإحصائيات “البنك الدولي” الصادرة في آذار 2023.

تناقض بالآراء

اختلفت التحديات التي واجتها المرأة خلال سنوات الحرب، حسب رأي الصحفية التي رفضت الافصاح عن اسمها، والتي تحدثت عن تجربتها في قطاع الإعلام وما واجهته من تنمر بداية نشاطها في إدلب عام 2015، “كنا نتعرض لمضايقات كصحفيات، وكان هنالك استخفاف بعملنا”، مشيرة إلى تغير الحال بعد أن أصبحت معروفة في المنطقة.

انغلاق المجتمع وحالة الحصار التي يمر بها كان لها أثر على القيود المفروضة على النساء، حسبما قالت؛ مضيفة أن قلة فرص العمل تثير خوف البعض من تمكين المرأة، خاصة إن اتجهت لمهن غير مألوفة ونمطية، أو تعد غير لائقة بأنوثتها، كمهنة تصليح الجوالات.

ونفى مسؤول في الإنقاذ، في تصريح له، تقييد النساء في إدلب، اللواتي لا يحضرن في التشكيلة الوزارية، وقال لمواقع إعلامية “مئات الموظفات” ضمن مؤسساتها، يبين الموقف الداعم للمرأة، مضيفاً أنه في حال ورود شكوى أو رصد مخالفة أو اعتداء ضد النساء في العمل أو المنزل، “تلزم الحكومة نفسها بتأمين كامل أنواع الحماية للسيدات”.

وفي أحدى الإحصائيات أن مجموع أعداد النساء في سن العمل يبلغ 45% من مجموع الأيادي العاملة في شمال غربي سوريا، ولكن بالنسبة للمقيمين في المخيمات تنعكس الآية وتبلغ نسبتهن 53% من مجموع السكان القادرين على العمل.

92% من العائلات التي تعيلها النساء في المخيمات غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية أو عاجزة عن ذلك بالكامل، وتعد متضررة اقتصادياً بشكل أكبر من الأسر التي يعولها رجال فلديها احتياجات غذائية أعلى، بنسبة 71% مقارنة مع 58% من الأسر المحتاجة التي يعولها الرجال

ولا يعد العمل أمراً مريحاً للنساء إذ بينت الاستطلاعات الأممية أن نسبة المخاوف من التمييز بين الأسر التي تعولها النساء تبلغ 20% من مجموعها مقارنة مع 8% بين الأسر التي يعيلها الرجال، وتخشى 7% من النساء المعيلات خطر الاستغلال والاعتداء مقارنة بـ2% من الرجال.

وبالتالي فأن محاربة عمل المرأة يعني فقدان كثير من العائلات لمصدر دخل أساسي، حسب رأي الصحفية، والتي أشارت إلى أن العمل ليس وسيلة لجلب المال وحسب وإنما هو حاجة نفسية ومجتمعية، وبالنسبة لعملها للإعلام تقول “العمل يعطيك شعوراً بالإنجاز وبأنك تقدمين خدمة.. فما بالك لو كان العمل يحكي قصة شعب وقصة ثورة، ربما تمكنت من خلال عملي أن أؤدي جزءاً من هذه الرسالة”.