لكل السوريين

ظاهرة البيع بدافع الهجرة تنتشر وسط سوريا

تقرير/ جمانة الخالد

انتشرت ظاهرة عرض أهالي بحماة وحمص عقاراتهم، من منازل ومحلات تجارية وأراضي، على منصات التواصل الاجتماعي، وينشرون أوصاف وأسعار العقارات المعروضة للبيع للمهتمين، سواء أشخاص أو مكاتب عقارية. ويأتي الانتشار المتزايد لهذه العروض عبر تلك الوسائل الاجتماعية، نتيجة لرغبة الكثيرين من أصحابها في السفر.

مع تزايد مرارة الواقع الاقتصادي في سوريا، أصبح المئات من الشباب والعائلات السورية مهووسة بالسفر إلى الخارج بهدف الذهاب إلى بلد يوفّر لهم الأمن والاستقرار المعنوي والمادي، ونظرا لأن تكاليف الهجرة عالية، الأمر الذي حرّك سوق البيع العقاري من جديد، أي أن السوريين عادوا إلى بيع ممتلكاتهم من أجل السفر.

بحثُ الشباب غير المتوقف في حمص وحماة على وجه الخصوص عن طرق تهريب للسفر أو مكاتب السفر من أجل الحصول على تصاريح عمل خارجية “فيزا”، أمرٌ يستغلّه كثيرون من أصحاب هذه المِهن والمكاتب ليؤمنوا لهم الـ “فيزا” بأسعار فلكية وبالعملة الصعبة، “الدولار”، مما يدفع عائلاتهم وأمام المبالغ التعجيزية المطلوبة، لعرض ممتلكاتهم لبيعها بأقل من تكلفتها الحقيقية.

هاجس السفر خارجاً لمئات الشباب بهدف تحسين أوضاع أُسرهم ماديا مضافٌ إليه رغبة العديد من الأُسر بالهجرة، حرك المياه الراكدة من تحت سوق بيع العقارات، نتيجة لعدم توافر السيولة المالية اللازمة لديهم، ما أدى إلى توجه الراغبين بالسفر ولإكمال معاملاتهم بدءا من الجواز وانتهاء بـ “بتكيت الطيارة” نحو المكاتب العقارية لعرض منازلهم للبيع، كونها تحتاج إلى ميزانية مالية كبيرة تتجاوز 30 مليونا للشخص الواحد، فما بالبال إذا كان السفر يضم كامل أفراد الأسرة.

كما أن أغلب العقارات المعروضة للبيع هي غير متوافقة على الإطلاق مع تكلفة البناء الحقيقية لهذه الشقق، فمثلا شقة مكسية مساحة 100 متر مربع تُعرض للبيع بسعر لا يتجاوز 170 مليونا، وبجردة حساب بسيطة يلاحظ أن تكلفتها البنائية على الأسعار الرائجة تتجاوز 300 مليون ليرة، والمتتبع لحركة بيع وشراء العقارات سيلاحظ أن لغتها لم تعد تجارية كما كان سابقا، فأغلب الذين يراجعون المصالح العقارية لإتمام معاملة الإفراز، السمة الغالبة على عملية بيعهم هي اضطرارية ومستعجلة بداعي السفر.

نسبة كبيرة من الشباب السوري يرغبون بالسفر إلى خارج سوريا، ومعظم الناس وخاصة خريجي الجامعات، يريدون السفر إلى أوروبا أو أي دولة خليجية تؤمّن لهم عملا جيدا فضلا عن الاستقرار النفسي والمعنوي، بالإضافة إلى رغبتهم في مساعدة أُسرهم ماديا.

في الواقع هذا حال عموم الشباب المتخرجين من كليات كبيرة بسوريا، فما بالبالُ عن بقية المواطنين الذين يملكون شهادات عادية أو من لا يملكون، فضلا عن العوائل التي تبحث هنا وهناك عن طرق علّها تنجّيهم من براثن الفقر في هذه البلاد.

يؤكد فيه أصحاب مكاتب عقارية ازدياد عروض بيع المنازل مقارنة بعمليات الشراء، الأمر الذي دفع إلى تقييم العقارات بأقل من سعرها المفترض، نتيجة حاجة أصحابها إلى المال بداعي السفر والهجرة خارج البلاد.

يقول بعض الخبراء إن عروض بيع العقارات هائلة وأغلب أصحابها يرغبون ببيع ممتلكاتهم العقارية بغرض السفر، وعلى سبيل المثال معظم إعلانات بيع العقارات ترافقها عبارة “للبيع بدواعي السفر”. والجدير بالذكر أن سوق العقارات في سوريا، يشهد ركودا كبيرا نظرا لرغبة الكثيرين في بيع عقاراتهم، وفق ما يفيده خبراء اقتصاديون وعاملون في مكاتبٍ عقارية.

خلال العامين الماضيين وحتى الآن، يشهد مركز الهجرة والجوازات في سوريا، موجات تدفق من السوريين الراغبين في الهجرة، حيث تصطف أرتال المنتظرين بالآلاف منذ ساعات الصباح الأولى وإلى منتصف الظهيرة بفارغ الصبر، للحصول على جواز سفر يمكّنهم من الخروج من البلاد في أقرب فرصة.

لا يختلف اثنان على أن الظروف الاقتصادية والأمنية، هي أبرز الأسباب التي تدفع بالشباب السوري للهجرة باتجاه بلدان أخرى بحثا عن حياة أفضل، ولعل تزايد معدلاتها خلال الآونة الأخيرة خير مثالٍ على ذلك؛ وخاصة الهجرة غير الشرعية، وما تمثّله من خطر على حياة من يُقدم عليها. إذ لا يكاد أن يمرّ شهر دون ورود أخبار عن وفاة أشخاص خلال رحلتهم إلى أوروبا.

13 مليون سوري نزحوا/هاجروا منذ اشتعال الحرب السورية، وهو ما يمثل حوالي 60 بالمئة من عدد السكان قبل الحرب، وهي نسبة نزوح لم تشهدها دولة من قبل خلال العقود الأخيرة.