لكل السوريين

التقنين سبيل أسر سورية لمواجهة الغلاء وسط البلاد

تقرير/ بسام الحمد

مع تتالي الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد وارتفاع الأسعار يوما بعد يوم، يبدو أن العائلات السورية لا سيما في حمص وحماة، وسط البلاد ستمتنع عن الشراء، حيث قرر معظمهم تقليص احتياجاتهم إلى النصف أو الربع في ظل ارتفاع أسعار السلع التي تجاوزت قدرتهم على الشراء.

ومع التدهور الأخير في قيمة الليرة السورية، حيث وصلت لنحو ١٦٥٠٠ ليرة مقابل الدولار الواحد في أسواق الصرف المتداولة اليوم على منصات العملات، ارتفعت بموجب ذلك الأسعار من كل حدب وصوب، ما يزيد الأعباء المعيشية التي يبدو أنها وصلت إلى ذروتها في الوقت الحالي، حيث إن لجوء العائلات إلى طرق جديدة للاحتيال والتعايش مع موجة الغلاء هذه، دليل على مدى تدهور الأحوال.

على إثر ارتفاع الأسعار بشكل كبير مؤخرا، باتت حركة الأسواق في المحافظتين شبه معدومة، ويرتادها من يرغب في شراء حاجاته الضرورية كالسلع الغذائية الضرورية والدواء وبعض المستلزمات الأخرى.

وباتت ربات المنازل يشترين الحاجيات بالقطعة فمن كانت تشتري عبوة زيت او اثنين باتت تشتري بالحد الأدنى وأخريات يحاولن إعادة تدوير المستلزمات كالألبسة المدرسية، وهذا الحال يبدو أنه يشمل نسبة واسعة من السوريين في الداخل بعد ارتفاع الأسعار بشكل جنوني. وكذلك شراء الملابس في أوقات التصفيات بدلا من الاقتصار على شراء موديلات السنة نفسها.

راتب الموظف الحكومي في سوريا يبلغ اليوم نحو ٢٠ دولارا، أي نحو ٣٠٠ ألف ليرة سورية، وهو مبلغ لا يكفي المواطن لمدة يومين، بالنظر إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق. وتُعتبر الرواتب والأجور في سوريا بالعموم، وفي القطاع الحكومي خاصة، منخفضة جدا مقارنة بباقي الدول، لا سيما مع تراجع قيمة الليرة السورية.

حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير جدا، وما يُثير الدهشة هو أن تسعيرة المواد في تبدّل لحظي ومستمر نحو الصعود طبعا، في ظل غياب أي محاولات وتدخل الجهات المعنية لإطفاء نيران الغلاء المستعرة.

ففي ظل الأزمة الاقتصادية الحالية ما يجعل الفرد مرتبكا لجهة تأمين احتياجاته طوال الشهر ولاسيما أمام هذه الموجة التضخّمية التي تترافق مع ارتفاع العديد من السلع وعلى رأسها المواد الأساسية التي تعتمد عليها الأسرة، كالمنتجات الغذائية والاستهلاكية الضرورية للمواطن، والطاقة وغيرها.

كما أن ثمة عجز لدى أغلب الأُسر السورية عن كيفية إدارة ميزانية الأسرة لتحقيق التوازن بين الدخل وارتفاع الأسعار، والبدائل التي يمكن أن يستعينوا بها كالاستغناء عن بعض السلع الباهظة التكاليف بطرق منزلية سهلة وموفرة.

فمع غلاء الأسعار في الوقت الحالي يكون الحل المتوازن هو ترشيد الاستخدام والاستهلاك المنزلي؛ حيث يبدأ الترشيد من تنظيم عملية الشراء، على أن يتم التخطيط للوجبات اليومية أو الأسبوعية على حسب عدد أفراد الأسرة، ويتم الشراء وفق العدد، وتغير الأنظمة الغذائية واختيار الوجبات ذات القيمة الغذائية العالية وليس غالية الثمن.

فضلا عن التقليل من اللحوم الحمراء والابتعاد عن الأطعمة المصنّعة والمحفوظة والحلويات الجاهزة فهي باهظة الثمن، والتركيز على شراء الضروريات فقط وحذف الكماليات، وهذا يتطلب تقسيم المصاريف والقيام بتنظيم ميزانية شهرية مكتوبة و مقسمة لبنود عدة، تحدد من خلالها قائمة المشتريات وكل الاحتياجات وفقا للدخل الشهري الذي تتقاضاه الأسرة، والامتناع عن الوجبات السريعة وصناعتها في المنزل بتكاليف أقل.

إلى جانب تقسيمها لوجبات لحين الحاجة إليها، وكذلك تقليل شراء المنتجات التي تشهد ارتفاعا في سعرها، مثل الفواكه الصيفية، والحل بحسب خبراء اقتصاديون بالعودة إلى الصناعات المنزلية مثل تصنيع الصلصة والعصائر والمربى والحلاوة الطحينية، وكذلك الألبان والأجبان لتخفيف تكاليفها قدر المستطاع، والاكتفاء بتناول الوجبات عالية القيمة الغذائية ذات تكاليف قليلة، كالفول والأرز والعدس وغيرها.

بعد ارتفاع أسعار الفواكه وخاصة الصيفية، فإنها انضمت منذ سنوات عديدة وليس فقط الآن لقائمة الكماليات والرفاهيات لدى نسبة واسعة من المواطنين السوريين، إثر ارتفاع أسعارها الغالية مقارنة بمداخيل وأجور الأهالي، حيث صار شراء ولو كيلو غراما واحدا من أي نوع من أنواع الفواكه يحتاج إلى خطة وتوفير ومغامرة، لذا استغنى عنها الكثيرون وغادرت موائدهم تماما.

مع موجة الغلاء هذه وتراجع قيمة الليرة السورية مؤخرا، وقل عجز الميزانية للأُسر السورية لنسبة 3000 بالمئة، وهو رقم حقيقي وليس خطأ مطبعي. فانعدام الاستقرار الاقتصادي والنقدي، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور سعر صرف العملة المحلية، كل هذا أدى إلى تفاقم الأزمة المالية التي يواجهها الشعب السوري.

في زمن الاستقرار، كانت ميزانية الأُسرة تتمتع بالتوازن، حيث كانت النفقات محسوبة ومخطط لها بعناية. لكن مع أزمة قرارات الحكومة السورية منذ بداية عام 2020، أدت إلى تفاقم هذه المشكلة الاقتصادية. وأدت تلك القرارات إلى انخفاض قوة الشراء لدى المواطنين السوريين بشكل مدمّر. فما كان يمكن شراؤه بقيمة صغيرة من الأموال قبل عقد من الزمن، اليوم يتطلب مبالغ باهظة تفوق تصوّر الكثيرين.