لكل السوريين

الاستفزازات الإسرائيلية المستمرة وخطة تقسيم الأقصى تهدد المنطقة بموجة غير مسبوقة من الصراع

تحقيق/ محمد الصالح

تصاعدت حدة التوترات في الضفة الغربية خلال الشهور الماضية، على خلفية اقتحامات قوات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة لمدنها بدعوى ملاحقة مطلوبين، ما يؤدي غالبا لوقوع مواجهات تسفر عن سقوط قتلى وجرحى.

ودفعت هذه الاقتحامات وما سبقها من اعتداءات المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا إلى مطالبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتحريك ملف الجرائم المرتكبة في فلسطين المحتلة على يد الاحتلال الإسرائيلي.

ودعت المحكمة إلى الالتزام بمبدأ محاربة ظاهرة الإفلات من العقاب على الجرائم الخطيرة.

وما يزال بنيامين نتنياهو يسعى لإرضاء الأحزاب اليمينة الدينية والقومية المتطرفة في ائتلافه الحكومي ليتمكن من الاستمرار في السلطة، رغم أن مطالبهم بضم الضفة الغربية، وإجراء ما يسمى بالإصلاح القضائي قد تسببت في إحراجه، وأثارت معارضة دولية واسعة، حيث كان توسيع المستوطنات الإسرائيلية في مناطق من الضفة الغربية محظوراً على مدى عقود، كجزء من محاولات حل الدولتين مع السلطة الفلسطينية.

وفي خطوة خطيرة قد تؤدي إلى حرب دينية في المنطقة، تستعد حكومة نتنياهو لتقديم مشروع قانون “هليفي” للكنيست لفرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى المبارك.

خطة تقسيم الأقصى

كشفت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن عضو الكنيست عن الليكود عاميت هليفي بدأ ببلورة خطة غير مسبوقة لتقسيم المسجد الأقصى.

وتنص الخطة على السيطرة على قبة الصخرة وتحويلها إلى مكان عبادة لليهود بالإضافة للمنطقة الشمالية من باحات الأقصى، في الوقت الذي سيسمح فيه للمسلمين بالصلاة في الحرم القدسي الجنوبي ومرافقه.

وتتضمن السماح للمستوطنين باقتحام المسجد من جميع أبوابه، وعدم الاكتفاء بباب المغاربة كما هو الوضع في الوقت الحالي، واعتماد إجراءات تقييدية تحد من وصول المصلين للصلاة فيه.

ويقترح هاليفي في الخطة التي يعكف على حشد التأييد لها في الكنيست، تجريد الأردن من الوصاية على المسجد الأقصى، والبدء في عملية إزالة المكانة السياسية التي اكتسبتها المملكة على مر السنين، كجزء من الاتفاقات مع الحكومات الإسرائيلية.

وأدانت وزارة الخارجية الفلسطينية ما أوردته الصحيفة بشأن الخطة، وقالت إنها تنظر بخطورة بالغة لما تروج له خاصة أنها تتزامن مع استهداف صريح ومتواصل للمسجد الأقصى من قبل الجمعيات والمنظمات الاستيطانية المتطرفة.

وطالبت المجتمع الدولي والمنظمات الأممية المختصة وفي مقدمتها اليونسكو، التعامل بمنتهى الجدية مع هذه الخطط والمشاريع الاستعمارية التوسعية وأن تتحمل مسؤولياتها في وقف تنفيذها وضمان إلغائها.

ردود فعل فلسطينية

تواصلت الدعوات الفلسطينية لمواجهة “خطة هليفي” وتحويلها إلى مشروع قانون، وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إن الإقدام على هذه الخطوة سيحدث غضباً عارماً لا يمكن توقع نتائجه، لما يشكله المسجد الأقصى من قدسية وقيمة دينية للشعب الفلسطيني وللعرب والمسلمين،

ودعا إلى “تحرك عربي وإسلامي ودولي يتجاوز مفردات الشجب والإدانة إلى فرض عقوبات تمنع إحداث أي تغيير في المسجد الأقصى المبارك، وتوقف أي انتهاك للمقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة”.

وحذّر مختصون في شؤون القدس من أن الاحتلال يسعى إلى الانقضاض على المسجد الأقصى المبارك، والاستيلاء عليه بشكل كامل.

وأشار المختص في شؤون القدس أمجد شهاب إلى أنّ ” الاحتلال يهدف من وراء الخطط التهويدية والتصريحات، إلى إثارة الجو بهدف الوصول إلى سيطرة كاملة على الأقصى دون أن يكون هناك أيّ ردّ فعل فلسطيني وإسلامي”.

ودعا رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث إلى نصرة المسجد الأقصى المبارك وإنقاذه قبل فوات الأوان.

وأشار ناجح بكيرات إلى أن حكومة الاحتلال ماضية في مخطط هدم الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه في ظل صمت دولي وعربي.

وقالت اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في دولة فلسطين “إن ما تسمى خطة تقسيم المسجد الأقصى المبارك، المرفوضة جملة وتفصيلا، والتي أعلنها عضو الكنيست عن حزب الليكود عاميت هليفي، عدوان فاشي على الأمتين العربية والإسلامية وعلى كل المؤمنين، يجب وقفه ومواجهته”.

وأضافت اللجنة في بيان لرئيسها رمزي خوري، ” أن المسجد الأقصى المبارك بكامل مساحته حق خالص للمسلمين دون غيرهم، ولا يقبل القسمة ولا التقسيم، تماماً كما هي كنيسة القيامة حق خالص للمسيحيين، وأن المساس به مساس بالمقدسات المسيحية، والدفاع عنه واجب وطني وعربي وإسلامي ومسيحي”.

وناشدت اللجنة المسؤولين عن حفظ الأمن والاستقرار الدولي وكل كنائس العالم، باتخاذ مواقف وإجراءات عاجلة لوضع حد لهذه الممارسات العنصرية التي ستجر المنطقة إلى أتون حرب دينية لن يسلم أحد من تبعاتها.

وأكدت اللجنة “أن خطة هليفي، بتقسيم المسجد الأقصى والسيطرة على قبة الصخرة المشرفة والمنطقة الشمالية من باحات الأقصى وتحويلها إلى مكان عبادة لليهود، تضع الأمتين العربية والإسلامية أمام مسؤولياتهما التاريخية والقانونية، لإنقاذ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من التهويد، وتتطلب رداً غير تقليدي على هذا العبث والجنون الذي يقوده اليمين المتطرف بقيادة الثلاثي العنصري نتنياهو وبن غفير وسموتريتش”.

ردود فعل عربية

أبدت الجامعة العربية انزعاجها الشديد من “تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية” في ظل وجود حكومة يمينية تسعى لاسترضاء المتطرفين في المجتمع الإسرائيلي.

وندد وكيل وزارة الأوقاف المصرية الأسبق سعد الفقي بخطة تقسيم المسجد الأقصى، موضحاً أنها تأتي “ضمن مسلسل التهويد الذي تنتهجه إسرائيل وأتباع سياسة النفس الطويل”.

وحثّ المسؤول المصري السابق المجامع الفقهية العربية والإسلامية والمؤسسات المعنية بالمسجد الأقصى على كشف كذب هذه الدعوات التي تفتقد للعقل والمنطق، وتخالف كل القوانين الدولية والأممية.

وفي الأردن طالب سياسيون أردنيون برد حاسم على خطة هاليفي، وقال نائب رئيس الوزراء الأردني السابق ممدوح العبادي، “إن مخطط مشروع القانون الإسرائيلي الذي يجري إعداده في برلمان الاحتلال ويهدف إلى تقسيم المسجد الأقصى المبارك مكانياً، والسيطرة على أكبر مساحة ممكنة منه، يعتبر بالنسبة لنا في الأردن أمراً خطيراً ومرفوضاً”، وطالب الدولة الأردنية برد حاسم على هذه الخطوة الإسرائيلية.

ومن جانبه، قال عضو مجلس الأعيان الأردني الشيخ طلال الماضي إن “ما ينادي به الاحتلال الصهيوني من خلال التقسيم المكاني للمسجد الأقصى المبارك يمثل حقيقة العقلية الفاشية الصهيونية التي تحكم دولة الاحتلال، والتي أظهرتها بصورتها الحقيقة، واختصرت علينا الزمن من خلال كشف القناع عن أفكارهم، وتخطيطهم، الذي يسعون لتنفيذه منذ أن قامت دولة الاحتلال الصهيوني”.

وأشار إلى أن الأردن لن يتخلى عن رسالته ودوره، وسيدعم القضية الفلسطينية حتى إقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية.

وقال الماضي، إن “الدبلوماسية الأردنية تطالب بدولة فلسطينية إلى جانب الكيان الصهيوني، وهذا ما هو مطروح، لكن المطروح شعبياً أننا لا نقبل بدولة يهودية على أرض فلسطين، بل بدولة فلسطينية من البحر إلى النهر، وهذا حق طبيعي للشعب الفلسطيني، والاحتلال لن يستطيع تزوير التاريخ، فنحن نعرف ما لنا وما علينا والمسجد الأقصى مسؤولية القيادة الهاشمية”.

كما استهجن عضو لجنة فلسطين في البرلمان الأردني محمد أبو صعيليك، صمت وزارتي الخارجية والأوقاف حول مشروع قانون خطة هاليفي.

وقال “على الدولة الأردنية أن تقوم بواجبها في الدفاع عن وصايتها على المسجد الأقصى المبارك، فالصهاينة يمارسون التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى والقدس تحت حراسة الشرطة الإسرائيلية، بينما نكتفي نحن ببيانات الشجب والاستنكار دون أيّ فعل على أرض الواقع”.

استفزازات غير مسبوقة

قال هاليفي في حديثه لصحيفة إسرائيلية “سنأخذ الجزء الشمالي، ونصلي هناك، جميع ساحات جبل الهيكل مقدسة لنا وقبة الصخرة هو المكان الذي بني عليه الهيكل، يجب أن نوضح ذلك بكل صراحة”.

وفي سابقة إسرائيلية غير مسبوقة، أعلنت منظمة “جبل الهيكل في أيدينا” الصهيونية البدء في جولات إرشادية سياحية شهرية للسياح الناطقين باللغة الإنجليزية، لتعريفهم بالمسجد باعتباره “الهيكل”، وبدأت أولى جولاتها داخل مسجد الأقصى المبارك في شهر آذار الماضي بالتعاون مع منظمة “العودة إلى جبل الهيكل”.

كما أوصت لجنة التعليم بالكنيست في وقت سابق، بأن تقوم وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية بإدراج “جبل الهيكل” كجزء من الجولات الإجبارية في المدارس، وفرض وحدة دراسية إجبارية عن المكان في دروس التاريخ.

وحرصاً من قوات الاحتلال على تكريس الرواية اليهودية التوراتية المزيفة، وطمس الرواية الحقيقية للمسجد الأقصى، جرّد الاحتلال معظم العرب من حقهم في ممارسة عملهم كمرشدين داخل المسجد، وسحب تدريجاً صلاحية الإرشاد وإدخال السياح الأجانب من وزارة الأوقاف الفلسطينية، لتصبح الجولات السياحية الشهرية من أخطر البرامج التهويدية التي تؤدي إلى خلق واقع جديد في المسجد المبارك.

صراع ديني

حذّر رئيس الحزب القومي العربي محمد حسن كنعان، من قانون هليفي، باعتباره يهدف للمس بالجماهير الفلسطينية، سواء في القدس أو الضفة أو في الداخل الفلسطيني المحتل.

وفي حوار صحفي، “أكد أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تسن قوانين فاشية وعنصرية تهدف من خلالها التضييق على الشعب الفلسطيني والجماهير العربية بالداخل، وكذلك الهيمنة والسيطرة وزيادة الاستيطان من أجل توسيع نفوذها في الضفة الغربية، وفي كافة الأراضي المحتلة بشكل عام”.

وقال إن هذا القانون ليس الوحيد الخطير، فكل القوانين التي يسنها الائتلاف الحكومي معادية للديمقراطية وفاشية، وتهدف إلى إرضاء المستوطنين بشكل عام، والمس بالشعب الفلسطيني.

وبدوره اعتبر القيادي في حركة فتح الدكتور أيمن الرقب، أن خطة هليفي ستفجر الصراع الديني في المنطقة، وستحرج دولاً عربية بينها وبين الاحتلال الإسرائيلي اتفاقيات سلام وعلى رأسها المملكة الأردنية الهاشمية، كما ستحرج دولاً غربية ومن ضمنها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية “لصمتهم على جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني ومقدساته”.

وتوقع أن تتصاعد المواجهات مع الاحتلال وتنهار كل جهود التهدئة، وأن تستغل منظمات إرهابية عالمية هذا الحدث لتنفيذ هجمات بحجة الدفاع عن القدس تستهدف بعض الدول العربية والدولية المستقرة، وأشار إلى أن القانون لن يمر بسلام وسيكون له تبعات كبيرة إذا تم تنفيذه.