لكل السوريين

رغم انتقاد المنظمات الدولية.. تتصاعد المشاعر المعادية للسوريين في لبنان، واللاجئون يدفعون ثمن فشل السياسيين فيه

عاد ملف اللاجئين السوريين في لبنان إلى الواجهة بعد قيام الجيش اللبناني بحملات ضبط وترحيل لاجئين سوريين قالت السلطات اللبنانية إنهم مخالفون لقوانين الإقامة.

وشنّ الجيش اللبناني حملات مداهمة واسعة لتوقيف سوريين لا يملكون إقامات أو أوراق ثبوتية أسفرت عن توقيف أكثر من خمسمئة شخص تمّ ترحيل عدد كبير منهم إلى سوريا، وفق مصدر في مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

وتزامنت حملات المداهمة مع حملات إعلامية عملت على بثّ خطاب الكراهية تجاه السوريين مجدداً، إذ طالب لبنانيون كثر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بإخراجهم من لبنان.

وترافقت هذه المطالبات مع دعوات الترحيل القسري التي أطلقتها أحزاب وتنظيمات سياسية لبنانية، وجاءت منسجمة مع الخطاب الرسمي الذي حمّل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمة الاقتصادية والأعباء المعيشية التي يعيشها اللبنانيون.

وروّج الخطاب الرسمي لخطر أمني يمثله النازحون السوريون، وزعم أن وجودهم في لبنان جاء في سياق مؤامرة دولية.

وفي هذا الإطار جاءت تصريحات وزير الدفاع اللبناني الذي تحدث في مقابلة صحفية عن وجود “مجموعات مسلحة بين النازحين السوريين”.

كما اتهم وزير الداخلية اللبناني اللاجئين السوريين بالتحريض على الجيش والدولة في لبنان،

بينما حمّل وزير المهجرين بحكومة تصريف الأعمال اللبنانية اللاجئين السوريين المسؤولية عن عمليات سرقة وجرائم، واعتبر أن عمليات الترحيل تجري بسببها.

وانتقدت منظمات حقوقية لبنانية وسورية الضغوط على اللاجئين السوريين التي تنوعت بين منعهم من التجول في أوقات معينة، والمداهمات والتوقيفات والترحيل القسري، وفرض قيود على إجراءات معاملات الإقامة.

وبعد ترحيل عشرات السوريين من لبنان خرجت تظاهرة في مدينة طرابلس الشمالية طالبت بوقف ترحيلهم، وحثت المجتمع الدولي على التدخل لحمايتهم.

الحملة الوطنية

أعلن رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان من “بيت العامل” في جل الديب، ما سمّاها “الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي السوري”، بحضور حشد من مؤسسي الحملة من كل المناطق اللبنانية، وزعم أن الحملة تهدف إلى إنقاذ لبنان ارضاً وشعباً وثقافة وحضارة من خطر التغيير الديموغرافي الداهم.

والقى كلمة بهذه المناسبة قال فيها “إن نصف سكان لبنان اليوم من النازحين السوريين، مليون ونصف مليون نازح مع ولادات تخطت 200 ألف سنوياً، بينما لا يتعدى رقم الولادات اللبنانية 53 ألفاً، أرقام إن دلت على شيء فهي تدل على أن هذا الاحتلال سيطبق بشكل كامل وبعد أقل من عقد على كامل مقدرات البلد بحيث سيصبح ضعف عدد مواطنيه”.

وزعم أن لبنان “أمام نوع من أخطر الاحتلالات والذي يتم فيه استخدام التغيير الديموغرافي كأداة للسيطرة على الأراضي والموارد والنفوذ السياسي”.

وقال “لا نبالغ في توصيف هذا النزوح بالاحتلال الذي تأسست جذوره بفعل مؤامرة دولية ومحلية أبطالها وعملاؤها الدوليون والمحليون معروفون”.

وأشار إلى أن هذه المؤامرة حيكت في بروكسل بهدف تخفيف الضغط على دول الاتحاد الاوروبي التي تستضيف اللاجئين السوريين.

وأضاف “حملتنا هي دعوة لكل اللبنانيين بمختلف شرائحهم ليقاوموا هذا الاحتلال الديموغرافي الذي ساهم في تدمير اقتصادنا وبنيتنا التحتية، وسرقة مياهنا وكهربائنا، وفي تلويث أرضنا وهوائنا وثقافتنا وقيمنا”.

وطالبت الحملة حكومة تصريف الأعمال اللبنانية بـمجموعة مطالب منها “برمجة عودة مليون نازح سوري فوراً إلى مناطقهم في سوريا، واتخاذ قرار بترحيل جميع أصحاب السوابق من النازحين السوريين من خارج السجون وداخلها، وإعادة كل النازحين الذين دخلوا سوريا، بحيث انتفت صفة اللجوء عنهم وفقاً لكل الاتفاقيات والتوصيات الدولية”.

خطاب كراهية وترحيل مستمر

قبل أن تظهر المشاعر المعادية للسوريين كان التعايش بين اللاجئين السوريين والمجتمع اللبناني موجوداً إلى حد كبير، وبسبب حملات التحريض العنصرية ضدهم من قبل بعض السياسيين والأحزاب اللبنانية، والجهات الأحرى، تأججت مشاعر الكراهية وتفاقمت المشاعر المعادية للسوريين في معظم المناطق.

ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، أصبح الناس يبحثون عن جهة لتحميلها مسؤولية هذه الأزمة، ولا يجرؤ الكثيرون من اللبنانيين على تحميل الدولة أو الأحزاب هذه المسؤولية بسبب البنية الطائفية والحزبية والتبعية العشائرية وانتشار الميليشيات المختلفة في لبنان، وتبقى الفئة الأضعف في المجتمع وهي فئة اللاجئين السوريين جاهزة لتحميلها هذه المسؤولية، وغيرها من الأزمات الي تعصف بلبنان، لتستمر عمليات المداهمة والترحيل القسري، حيث داهم الجيش اللبناني المنازل التي تسكنها عائلات سورية في مواقع مختلفة من جميع أنحاء البلاد، ورحّل إلى سوريا عشرات اللاجئين سواء الذين دخلوا البلاد بشكل غير قانوني أو من يحملون بطاقات إقامة منتهية الصلاحية.

وقد أظهرت مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تسليم عدد من الشبان للسطات السورية، بينما تم رمي عدد آخر منهم على الحدود.

وكانت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية قد عقدت اجتماعين برئاسة نجيب ميقاتي لبحث ملف اللاجئين السوريين، تم التأكيد خلالهما على مواصلة تدابير الجيش والقوى الأمنية “بحق المخالفين خصوصاً لجهة الداخلين بصورة غير شرعية وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية”.

واعتبر وزير الشؤون الاجتماعية فيها أن الموضوع بات “قضية حياة وموت”، وحذّر مما سمّاها تغييرات ديموغرافية خطيرة، وقال “سنصبح لاجئين في بلدنا”.

أمر عادي ودوري!

قال وزير المهجّرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية “إن اعتقال الجيش اللبناني لسوريين مخالفين للقانون هو أمر عادي جداً ودوري”، وزعم أن من “يخالف القانون ويزوّر الأوراق الرسمية يجب أن يتحمل مسؤولية أفعاله”.

ووصف ردود فعل المنظمات الحقوقية المنتقدة لإجراءات الجيش بـ”المبالغ بها بشكل كبير ويتم استغلالها لأغراض سياسية”.

وأكد الوزير دعمه لموقف الجيش، وتمنى أن يكون السوريون الذين رحّلوا عبرة لغيرهم من المخالفين للقانون.

وقال “إن لبنان لم يكن عنصرياً في التعاطي مع اللاجئين السوريين، وإن حدوث بعض الخلافات الفردية أمر عادي في لبنان الذي يستضيف أكثر من مليوني نازح سوري، لكن هذه الخلافات لم تأخذ طابعاً سياسياً أو وطنياً”.

وزعم أن المشاعر المعادية للسوريين خطة ممنهجة بالإعلام ينقلها معارضون بهدف الإيقاع بين اللبناني والسوري.

وبحسب الوزير، تتم عملية الترحيل عبر تسجيل أسماء اللاجئين السوريين وتقديم لوائح للأمن العام اللبناني وتأمين قوافل لنقلهم، ويتواصل الأمن اللبناني مع الأمن في سوريا لضمان إعادة جميع السوريين.

وقال “تمت هذه العملية مرتين العام الماضي في عرسال شمال شرق لبنان، ومن المتوقع أن تحدث مجدداً هذا العام، مع تفعيل لجنة عودة النازحين”.

واقترح أن يعود اللاجئون إلى بلادهم “وخصوصاً إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، حيث الأمن مستتب وهناك عفو رئاسي عن المعارضين”.

وحول من يريد أن يمارس حقه بالمعارضة والعمل السياسي، قال الوزير “يمكن أن يتم ترحيله إلى دولة ثالثة بموجب القوانين الدولية والتفاهم مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين”.

اللاجئون يدفعون ثمن أزمة لبنان

اعتبر الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي اللبناني باسل صالح أن حملات التحريض “ممولة من أحزاب من السلطة لتحميل اللاجئين عواقب الأزمات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد”.

وأعاد المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع عامة في البلاد والبؤس الذي يعيشه اللاجئون إلى “فشل الدولة اللبنانية أصلاً بتنظيم أوضاع السوريين في البلاد منذ بداية الأزمة في 2011”. وقال “اللاجئون يدفعون ثمن فشل السياسة الداخلية في لبنان، وفشل الأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتها، وفشل المجتمع الدولي بمعالجة أسباب لجوء هؤلاء”.

وأعاد المحلل السياسي الكرة إلى ملعب الدولة اللبنانية، معتبراً أن “الحملة القائمة حالياً ضد السوريين هي محاولة لابتزاز المجتمع الدولي من أجل المزيد من التقديمات والدعم”.

وذكّر بالاجتماع الذي حصل في الأردن وناقش قضية اللاجئين، ولم تتم دعوة لبنان للمشاركة فيه، مع أنه يتحمل العدد الأكبر من اللاجئين السوريين في المنطقة نسبة لعدد سكانه.

واعتبر أن “النظام السياسي القائم في لبنان أمام عدد من الملفات المحلية العالقة، الأزمة الاقتصادية، مفاوضات صندوق النقد، الانتخابات الرئاسية، لذا رأى أن أفضل وسيلة للتهرب من مسؤولياته هي بتأجيج صراعات داخلية”.

وحذّر من أن الحملات التي “تؤجج خطاب الكراهية ستفاقم الأزمة وتزيد من الشرخ القائم بين اللبنانيين واللاجئين السوريين، ويمكن أن تؤدي إلى اعتداءات على المخيمات ما ينذر بالأسوأ”.

المنظمات الدولية تحذّر

أثارت قرارات السلطات اللبنانية بترحيل لاجئين سوريين قلق العديد من المنظمات الدولية التي دعت إلى التوقف عن هذه العمليات.

وطالبت منظمات حقوق الإنسان بحماية اللاجئين من المداهمات التعسفية، والترحيل غير القانوني.

وناشدت السلطات اللبنانية بالكف فوراً عن ترحيل اللاجئين السوريين قسراً إلى سوريا، وسط مخاوف من أنهم معرضون لخطر الاضطهاد لدى عودتهم إلى بلادهم.

وذكرت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن حملات الترحيل باتت تأخذ منحى تصاعدياً، وحذّرت من ازديادها في الأيام المقبلة، وأكدت احتجاز وترحيل عدد من اللاجئين السوريين المعروفين والمسجلين لديها.

وجاء في تعليق لها أن “المفوضية تحدثت إلى اللاجئين السوريين، الذين أكدوا زيادة الحملات التي تحدث في التجمعات السورية في منطقة جبل لبنان وشمال لبنان”.

وأضاف التعليق “المفوضية تواصل الدعوة إلى احترام مبادئ القانون الدولي وضمان حماية اللاجئين في لبنان من الإعادة القسرية”.

وقالت نائبة مدير المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال افريقيا في منظمة العفو الدولية، في بيان “يجب عدم إعادة أي لاجئ إلى مكان تتعرض فيه حياته للخطر”.

وأشارت إلى طرد عشرات اللاجئين السوريين الذين دخلوا بشكل غير قانوني إلى لبنان، أو الذين يحملون أوراق إقامة منتهية الصلاحية، بعد مداهمات لمنازلهم قام بها الجيش اللبناني.

وناشدت المنظمة السلطات اللبنانية بالكف فوراً عن ترحيل اللاجئين السوريين قسراً إلى سوريا، مع وجود احتمال بأن يتعرضّوا إلى الاضطهاد أو الاعتقال.