لكل السوريين

رغم إلزامية التعليم .. التسرب المدرسي يبلغ أعلى مستوياته خلال العام الدراسي ٢٠٢٢ – ٢٠٢٣

حلب/ خالد الحسين

أطفال ويافعين بعمر الزهور ينتشرون في أسواق حلب التجارية والصناعية تاركين مقاعدهم الدراسية شاغرة وممنين أنفسهم بجملة “عم اشتغل لدبر مصروفي وساعد أهلي”، إذاً العامل الاقتصادي له الدور الأكبر في تسرب الأطفال من المدارس.

و يقف “عماد” في سوق الجميلية بحلب ليبيع الجوارب، في الوقت الذي يتحسّر فيه على الجلوس على مقاعد الدراسة مع أقرانه، في مشهد يعكس ظاهرة تنتشر بكثرة في مدينة حلب وهي ظاهرة التسرب الدراسي للأطفال بسبب سوء الأوضاع المعيشية وتوجههم لأعمال لا تناسب أعمارهم.

ورغم أن قانون التعليم الإلزامي في سوريا يفرض على أولياء الأمور إرسال أطفالهم إلى المدارس حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي في سن الـ/15/، ويفرض عقوبات وغرامات في حال المخالفة، لكن تطبيقه يغيب غالباً مع ظروف سنوات الحرب والأزمة المعيشية الحادة.

الطفل عماد، البالغ من العمر (13 عاما)، يقوم ببيع الجوارب في سوق الجميلية وسط مدينة حلب، “أحلم بوضع الحقيبة على ظهري والذهاب للمدرسة مثل باقي أصدقائي”.

لكن والد علي لا يستطيع تأمين مصاريف دراسته بسبب ارتفاع الأسعار، ما جعل علي مجبراً على مساعدته في تأمين بعض احتياجات المنزل.

وكان للحرب الدائرة في سوريا، آثار كبيرة على الأطفال، حيث لم تقتصر على غلاء المعيشة، فالبعض فقد والده نتيجة الأعمال العسكرية الدائرة في البلد.

الشاب مازن، البالغ من العمر (23 عاماً)، ترك الدراسة منذ الصف التاسع، توفي والده جراء سقوط صاروخ محلي على حي الشعار في حلب، فوجد نفسه تحت عبء احتياجات أسرته وإخوته البنات وقضى السنوات السابقة في العمل من أجل تأمين متطلبات المعيشة لعائلته.

يوضح مازن لـ “السوري” أنه نادم على ترك الدراسة، “لكنني أبذل جهدي لإعالة أخواتي وتوفير مصاريف البيت والمدرسة لهن”.

وارتفعت معدلات التسرب من عام لآخر وسط تشرد بعض أولئك الأطفال في الشوارع، دون تحرك جدي من قبل وزارتي التربية والشؤون الاجتماعية والعمل لإيجاد حل لهذه الظاهرة.

وبلغت نسبة التسرب الدراسي في سوريا عام  2019 /%27/، وتصاعدت النسبة لتبلغ /%39/ في عام 2023، بحسب إحصائيات منظمة اليونيسف ومديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بحلب، وذلك نتيجة تراجع الوضع المعيشي للأسرة السورية وازدياد الأعباء المادية على معيل الأسرة بسبب تدهور القوة الشرائية لليرة السورية وظروف الحرب.

ويتوجه معظم الأطفال المتسربين من المدارس، والذين لا تتجاوز أعمارهم /15/ سنة، لورشات الخياطة والأعمال الحرفية، أو يقومون بفتح “بسطات” يبيعون عليها ما تيسر لهم، وذلك تلبية لاحتياجاتهم واحتياجات أسرهم، إضافة إلى انتشار آخرين في شوارع المدينة ليبيعوا الورود، ومنهم من يتخذ التسول سبيلاً لعيشه.

يقول أبو عبدو، من سكان حلب، بأن لديه ثلاثة أطفال يبلغ  أكبرهم عمراً (12 عاماً)، لكنه غير قادر على دفع مصاريف دراستهم “بسبب الغلاء الهائل الذي تشهده الأسواق مؤخراً”، ما أجبره على إيقاف إرسال أولاده الثلاثة إلى المدرسة وفتح بسطات لهم ليقوموا بمساعدته مادياً.

ونوّه الدكتور صالح بركات، مدير الشؤون الاجتماعية والعمل بحلب عبر لقاءه بأحد الوكالات المحلية، بأنهم يلاحظون هذه الحالة بشكل يومي ويعلمون بأن هؤلاء الأطفال يتعلمون أشياء خطيرة عليهم ولا تتناسب مع أعمارهم، لكنه أوضح أنهم غير قادرين على ضبط هذه الظاهرة بسبب دخول البلاد في حالة فوضى نتيجة الحرب.

وأضاف بأن المديرية وضعت خطة مع منظمة اليونيسف في سوريا من أجل فتح دورات تأهيلية لتوعية الأهالي بواجباتهم تجاه أطفالهم من ناحية تعليمهم وتأمين مستقبلهم، ولكن ذلك “يحتاج وقتاً ودراسة واسعة”، على حد قوله.

واختتم مدير الشؤون الاجتماعية والعمل بحلب، بأن الوزارة لم تتخذ إجراءات ملحوظة لمعالجة هذه الظاهرة، وأن الأهالي يتحايلون على المؤسسات الحكومية بحجة أن أطفالهم لا يميلون للدراسة ويفضلون تعلم مهن وأعمال أخرى.

وتعرض أطفال سوريا بحسب إحصاءات أممية للعديد من المآسي خلال سنوات الصراع، منها التعرض لأعمال عنف وتجنيد من قبل تنظيمات متشددة وأزمات النزوح والتشرد، بالإضافة للصعوبات المعيشية التي يمر بها سكان البلاد.