لكل السوريين

مذبحة الجامع الكبير بحلب ومذبحة الأرمن ..شواهد على الوحشية العثمانية

حلب/ خالد الحسين

العام الثامن بعد المئة مرَّ على الإبادة الجماعية للأرمن والسريان والآشوريين والكلدان والنبطيين اليونانيين والعلويين من قبل الإمبراطورية العثمانية والتي وقعت في عام 1915  خلال وبعد الحرب العالمية الأولى.

في ليلة 23-24 أبريل 1915، اعتقلت الحكومة التركية حوالي 250 أرمنياً من قادة  ونخبة الجالية الأرمنية (قادة ومثقفون وكتّاب ومهنيون ورجال دين) في اسطنبول، عاصمة الإمبراطورية العثمانية، وتم إرسالهم إلى سجن في الأناضول (تركيا الآسيوية)، ومن ثم تم إعدامهم، وفي اليوم نفسه، تم ذبح 5000 من أفقر الأرمن في شوارع القسطنطينية، وفي منازلهم، لهذا تعاد الذكرى السنوية للإبادة الجماعية للأرمن، باعتباره تاريخ بداية هذه المــجازر.

تقول المراجع عن هذه المذبحة بأن الجيش التركي اجتاح مملكة أرمينيا لأول مرة في القرن الحادي عشر. وفي القرن السادس عشر أصبحت معظم أراضي أرمينيا التاريخية جزءاً من السلطنة العثمانية الممتدة آنذاك إلى جنوب شرق أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، وقد توزّع الأرمن بينها وبين الإمبراطورية الروسية. وقد بقيت أرمينيا تحت الحكم العثماني حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.

وفي عام 1915، كان يسكن حوالي مليوني أرمني في الإمبراطورية العثمانية. وفي فترة الحرب العالمية الأولى، اتهم الأرمن بتأييد جيوش الحلفاء وبالتحديد بالتواطؤ مع الجيش الروسي وذلك للتغطية على الخسائر الفادحة التي لحقت بالسلطنة في المعارك التي جرت في المحافظات الأرمنية.

فالحكومة العثمانية التي كانت خاضعة لجمعية الاتحاد والترقي التي أُطلق عليها أيضًا الأتراك الشباب سعت إلى ترسيخ الهيمنة التركية المسلمة في مناطق الأناضول الوسطى والشرقية، من خلال القضاء على عدد كبير من الأرمن هناك.

ولم تكن الإبادة الأرمنية أولى المجازر التي تعرّض لها الأرمن الذين كانوا يعيشون في السلطنة العثمانية، فبين عامي 1894 و1896، ارتكب العثمانيون، مجازر بحق الأرمن راح ضحيتها حوالي 80 ألف، وعرفت باسم المجازر الحميدية؛ لأن بعض الشباب الأرمن طالبوا بإصلاحات سياسية وبملكية دستورية، وبإلغاء التمييز ضد مسيحيي السلطنة، مما أغضب السلطان العثماني عبد الحميد الثاني المعروف بلقب السلطان الأحمر، فأمر بارتكاب تلك المجازر، ومن أبشعها حرق نحو 2500 امرأة أرمنية في كاتدرائية أورفه.

كما ارتكبت مجازر أخرى بحق الأرمن في سنوات أخرى، إذ هوجمت حوالي 200 قرية أرمنية في أضنة عام 1909، وقتل حوالي 30 ألفاً من أبنائها.

وهكذا تعتبر مذابح تركيا بحق المسيحيين جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث، إذ تمت إبادة مليون ونصف المليون أرمني. استخدم فيها العثمانيون أقذر وسائلهم الإجرامية بحق هذه الشعوب (قطع الرؤوس، بقر بطون الحوامل، صلب، وحرق)، وغيرها من جرائم وحشية بحق الإنسانية.

وللعلم فإن عملية الإبادة والتهجير التي تمت بحق أجدادنا الأوائل لم تقف عند هذه الحدود، فبعض العائلات وهرباً من بطش العثمانيين، وكان لديهم فتيات جميلات وخوفاً من قتلهن أو اغتصابهن اتجهوا نحو نهر الفرات، وتناولوا قليلاً من تراب الوطن المقدس (كقربان) وألقوا بأنفسهم في النهر فيما ألقت فتيات أخريات أنفسهن في النهر بعد اغتصابهن هذا ما تحدثت عنه إحدى الناجيات الأرمنيات من المجزرة الأرمنية، كما كان العثمانيون يدفنون الأرمن تحت التراب ويتركون رؤوسهم ظاهرة فوقه، ثم يمرّون بأحصنتهم فوق رؤوسهم ،ومن لم يمت يطعن بالخنجر.

وهناك من يبرر للأتراك مذابحهم ضد الأرمن، بأن الأرمن خانوا الدولة العثمانية، وفي الحقيقة هذا عذر أقبح من ذنب، وذريعة لنفي تهمة الإبــادة عن تركيا وريثة السلطنة العثمانية، فهذا التبرير الوقح للمجازر والإبادة.

ولم تقف مجازر العثمانيين بحق الأرمن وحسب، بل يسجل التاريخ أفظع المجازر التي ارتكبوها بحق العلويين في حلب، بعد الحرب التي شنت على الدولة الحمدانية في القرن السادس عشر الميلادي، وأشهرها مذبحة الجامع الكبير في حلب، في منطقة التلل الواقعة غرب القلعة، على يد الطاغية سليم الأول، بفتوى الفناء لابن تيمية.

يقول الباحث الدكتور أحمد أحمد في أحد المواقع الإلكترونية أنه بتاريخ 24 نيسان سنة 1517 م، أي بعد الحرب التي شنت على الدولة الحمدانية في القرن السادس عشر للميلاد، كانت مذبحة الجامع الكبير في حلب على يد الطاغية سليم الأول بفتوى الفناء لابن تيمية، التي أودت بحياة أكثر من أربعين ألف مصل وراح ضحيتها آلاف أطفال ونساء وشيوخ في منطقة (التلل) الواقعة غرب القلعة، والتي سميت كذلك بسبب تلل الرؤوس التي حزّها أولئك الأصوليون التكفيريين، وكان ممن أيده على هذه الجريمة النكراء الداعية نوح الحنفي الذي أفتى بأن العلويين النصيريين خارجون عن الدين ويجب قتلهم، فأبيد بهذه الفتوى مؤمنو حلب العلويون، ونهبت أموالهم وتم تهجير الباقين، وقيل إن عدد الشهداء كان حينها مئتا ألف شهيد من رجال وأطفال ونساء وشيوخ.

وبعد عملية الإبادة تلك والتخلص من معظم الرجال أطلق الطاغية سليم العنان لجنوده في استباحة المدينة لثلاثة أيام بلياليها، حيث استباح فيها جنود الطاغية كل شيء، فلم يتركوا شيئًا إلا استباحوه، ولم يتركوا جريمةً إلا اقترفوها ولا موبقةً إلا فعلوها ولا شيئًا إلا سرقوه ونهبوه، وبعد ذلك أشار مشايخ الطاغية عليه أن يفرض مذهبه على كل أرض تقع تحت سيطرته، ومن يخالف ذلك فدمه وعرضه وماله مستباح!!!.

ولأن الدولة التركية، أثبتت، وإلى وقت قريب، وبالأخص في الحرب على سورية، أنها ليست وريثة للسلطنة العثمانية وحسب، بل امتداد فكري وعقائدي لها، فعندما تترك الإبادة الأرمنية وغيرها من إبادات جماعية تمّت بحق إثنيات متعددة على أيدي العثمانيين وسلالتهم عبر التاريخ، تمر من دون عقاب، فهو إجــرام إنساني آخر بهذه الحقوق الإنسانية.