لكل السوريين

القرار السياسي التركي.. بين الارتهان للمزاج السياسي الروسي أو الأمريكي، وفي كلا الحالتين تركيا خاسرة

ما إن دخلت روسيا إلى المستنقع السوري حتى استطاعت تحجيم الدور التركي الذي أمسى ألعوبة بيد أحفاد السوفييت، واستطاعت رويدا رويدا دفع عجلة الأطماع التركية إلى ما وراء ما كان مخططا له قبل أربعة سنوات، وهنا يمكن للباحث في الشأن السوري والإقليمي القول إن المزاج السياسي الروسي أصبح مرعبا لحكومة العدالة والتنمية.

تنحرف القيم الإنسانية حسب ما تقتضيه المستجدات السياسية والعسكرية في منطقة إدلب شمال غرب سوريا، بينما تنعكس الاتفاقات الجارية بين الدول المتصارعة على الأرض السورية بما يدمي الشعب السوري ويخرجه من حساب التطورات والحسابات إما بانتشار الفوضى أو بالحسم العسكري.

في حين باشرت المعارك في إدلب لتبدأ عمليات النزاع الدولي ضمن الأراضي السورية معارك تحتدم، وأطراف تتصارع، لتظهر من خلالها المواجهات الحقيقية بين القوى الخارجية بين روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية، وبعد سنوات من الصراع لا أحد يحاول إنهاء أو وقف الحرب الدموية على الشعب السوري، الذي بات بين مهجر وضحية.

وفي وقت سابق من العام الماضي، اعتبرت كلا من روسيا وإيران من جهة

وتركيا من جهة مقابلة إدلب منطقة من مناطق خفض التصعيد عبر اتفاق سوتشي، والذي كان قد أفضى بالحد من رفع مستوى العمليات العسكرية في الزاوية الشمالية الغربية من سوريا، التي حولتها اتفاقات أخرى لمستنقع إرهاب وصف بأنه ثاني أخطر مستنقع بعد مناطق شمال شرق سوريا عندما كان داعش مسيطرا على مساحات شاسعة.

لكن ما يجري هو استمرار الدول التي وقعت على هذا الاتفاق التي تسعى في

المضي قدماً في تحقيق مصالحها واستنزاف بعضها البعض، ناهيك عما يعانيه الشعب السوري من جراء مخططات أدت إلى استمرار الأزمة لعامها العاشر.

وتمكنت روسيا بموجب سوتشي من واتفاقات سابقة من تجميع كافة المعارضين للنظام، في بؤرة واحدة، ونزحت أيضا ما أعداد كبيرة من عوائل المرتزقة، بالإضافة إلى الرافضين لإجراءات تسوية مع السلطات السورية.

وتعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية في العام 2017 المرتكز الذي رسمت من خلاله روسيا ما كانت تحلم أن تصبو إليه في سوريا، فاستطاعت من خلالها فرض أساليبها الخاصة على تركيا التي عينت نفسها رئاسة دائمة لتنظيمات تعتنق ما كان داعش يعتنقه قبل أن يهزم على يد قوات سوريا الديمقراطية.

واعتبر عديد المحللين أن حادثة اسقاط الطائرة كانت النقطة الأولى لبادرة المزاج السياسي لتلك الدول التي ولت نفسها ضامنة على طرفي نزاع أراقوا ما أراقوه من دماء الشعب السوري.

المزاج السياسي لا يرتبط بمكافحة الإرهاب

لم يكن المزاج السياسي وحده الخاصرة بظهر السوريين، وبوجه الحل السلمي، بل كان المزاج العسكري أشد وطأة منه، وذلك حينما تبنت روسيا دورها في سوريا لتقف بجانب النظام معللة خيارها بمحاربة الإرهاب، لكن ما يشاهد على الأرض هو تصفية حسابات بين روسيا وتركيا.

ومع دخول الروس إلى الأرض السورية في العام 2015 كان أول ما صرح به بوتين هو أن وجود الروس لمكافحة الإرهاب لن يدوم سوى نصف سنة، ولكن الآن اقتربت من السنة السادسة، والعمليات العسكرية التي تقودها روسيا في سوريا بدء من الجنوب واستمرارا في الوسط وبعض المناطق وصولا لآخر المعاقل في الشمال ما هو إلا دليل واضح على أن الروس اتبعوا المزاج السياسي على طريقتهم.

أما الوجود التركي، فهو كذلك الأمر مرتبط بالمزاج السياسي لكن بشكل أوضح المزاج السياسي المفروض إن صح القول، فتركيا هي من اختارت أن تكون في طرف المعارضة في سوريا، ودعمت بكافة الأساليب كل التنظيمات الإرهابية إن كان في الشمال  الغربي أو في الشمال الشرقي حاليا، أو حتى جنوبا قبل بضع سنوات.

وهي الآن تدفع ثمن غرور رئيسها الحالي أردوغان، الذي لم يعد خافيا على أحد أنه يسعى لإعادة أمجاد امبراطورية طوى عليها الدهر عقودا عدة، ليصطدم مزاجها السياسي بمزاج حلفائها في الناتو الولايات المتحدة والأوربيين، أو حتى من الأعداء القدامى للناتو عينه ألا وهم الروس.

فروسيا التي تحارب با

لوكالة الآن الإرهاب الذي كان يهددها قبل أعوام على أرضها وبين مواطنيها باتت تتحكم ـ بمزاجها السياسي ـ بحكومة العدالة والتنمية وتنظيماتها الإرهابية، ليس في سوريا وحسب، بل في شمال إفريقيا حتى.

الدول التي كانت مقتنعة تماماً بضرورة مكافحة الإرهاب هي نفسها التي تمارس تحقيق التوازن الاستراتيجي لمصالحها العسكرية والسياسية على حساب الشعب السوري الذي وقع ضحية كطرف مخدوع أو مهزوم، نتيجة لقناعة منه أن هناك أطرافا وقف

ت مع وقائع لا استنتاجات ترتبط ارتباطات وثيقة ببعضها البعض.

أنقرة بين ارتهانين

عقب اشتداد المعارك في أرياف إدلب وحلب وحماة، ووقوع ضحايا من الجيش التركي، التجأ أردوغان إلى نظراؤه في حلف الناتو يطلب منهم حبلا يخرج به من عنق زجاجة إدلب، قابله الأمريكي بالرد الإعلامي فقط، تلاه الأوربي بالمطالبة التي لم تتعدى الأفواه، وجد أردوغان نفسه مرتهنا لمزاجهم السياسي الذي يشترط فسخ العقود المبرمة حول صفقات تجارية على رأسها الـ ’’اس ـ 400’’.

تيقنت تركيا أنها أصبحت بين كماشتين إما أن ترتهن للمزاج الروسي وتسير حسب أهواء بوتين وكرملنه أو أن تعود كاسرة أنفها إلى الناتو وتعود وترتهن للمزاج السياسي الأمريكي، وهي في كلا الحالتين الخاسر الوحيد بالإضافة إلى البعض من السوريين الذين قدسوها وجعلوها نموذجا بمعنى الوفاء.

المعارك التي حصلت في إدلب والتي توقفت قبل بضعت أيام أثبتت أن المتصارعون هناك اتجهوا لتغليب المصالح الخاصة دون النظر لمكافحة الإرهاب، فروسيا حاولت كسب الوقت والسيطرة على الطرق الدولية التي من شأنها أن تعيد بعض الاتزان الاقتصادي للنظام، في حين أن تركيا دعمت جبهة النصرة ومن يبايعها في سبيل الحد من التمدد الروسي ليتبقى لأنقرة ولو ورقة ضغط وحيدة على الروس.

تركيا في كلا الرهانين خاسرة

تعالت الأصوات في الداخل التركي من جراء ما تعرض له الجنود الأتراك في الداخل السوري، فإن قبلت تركيا الارتهان للمزاج السياسي الروسي فإنها ستضطر لترك كل ما احتلته في سوريا وأن تعود خالية الوطيد، وبذلك يخسر أردوغان شعبية كان قد صنعها بثوب ديني.

ولو ارتهن للمزاج السياسي الأمريكي فإن

 

ه سيرغم على فسخ عقود كان قد أبرمها مع روسيا تتعلق باستثمارات اقتصادية في الداخل التركي، إضافة إلى صفقة الأس ـ 400، وهذا القرار يضع أردوغان على شفير فشل سياسي إن لم يستطع الدمج بين المزاجين الأمريكي والروسي وهذا من المحال في الوقت الحالي، لا س

 

يما وأن الانتخابات الأمريكية قد قاربت

 

على البداية.

حبال الصراع رهينة للتنازلات

ما تركته السياسة من أثر على السوريين أصبح ظلا ثقيلا، والاتفاق الذي أبرم قبل أربعة أيام أيضا سيكون مصيره الفشل بحسب ما قد يغيره المزاج السياسي الروسي الذي أصبح الأكثر ثقلا، قياسا بالطرف المضاد التركي الذي بات حائرا لا يدري أين يتوجه.

روسيا التي استطاعت كسب عدة أوراق ضغط على تركيا في سوريا وليبيا وحتى في الداخل التركي وبمزاج بوتين السياسي، لم توقف القتال بحسب مزاج الأتراك بل إنما لإعادة تموضع جديدة تقتضي تقديم تنازلات جديدة من الأتراك الذين خسروا كل شيء في سوريا.

آخر مسمار دقه أردوغان في نعش مزاجه السياسي كان ذهابه مرغما إلى روسيا، وفرحته التي لا توصف بتوقف القتال في إدلب، شكل ولو لولهة خيالا سيكون في نهاية الأمر حقيقة، قد تؤدي بمزاج روسي إلى انسحاب الأتراك من كافة المناطق التي احتلوها في سوريا، وبعدها ستكون ليبيا ساحة لتصفية حسابات بين روسيا وتركيا وبمزاج روسيا فقط.

تقرير/ ماهر زكريا