لكل السوريين

حقوقي سوري.. ما حصل في سوريا من تقاربات ولقاءات هدفه مزاحمة إيران لتثبيت الوجود العربي في سوريا

حاوره/ مجد محمد

ما بين دبلوماسية الكوارث والأزمات وإعادة التطبيع مع حكومة دمشق، شهدت السلطات السورية؛ انفتاحاً عربياً اجنبياً على حدودها البرية والبحرية والجوية.

فبعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا في ٦ شباط المنصرم جاء الانفتاح العربي والدولي على دمشق فمنها ما جاء تحت نطاق (دبلوماسية الكوارث والازمات) في العلاقات الدولية وهو شكل من اشكال الدبلوماسية المرنة والناعمة، ولها ادواتها الخاصة، وتتيح للفاعلين الدوليين ابداء التضامن مع بعضهم البعض  للتخفيف من تداعيات الكوارث الكبيرة عبر تقديم المساعدة وقد تصل ايضاً إلى حد المشاركة المباشرة في إدارة الكارثة.

وللحديث بشكل اوسع حول التحولات والتقاربات الأخيرة عقدت صحيفتنا “السوري” حواراً مطولاً مع المحامي الاستاذ عيسى ميراني والحاصل على ماجستير في القانون الدولي، ودار الحوار التالي:

*استاذ عيسى مرحبا بك، بعد الزلزال رأينا انفتاحاً كبيراً على دمشق وحكومة الاسد، هل هو دبلوماسية ام محاولات لإعادة التطبيع؟

اهلا بك، كارثة الزلزال فرضت على غالبية الدول العربية خصوصاً والاجنبية عموماً إبداء الانفتاح او التقرب من سوريا، باعتبار أن (دبلوماسية الكوارث) باتت عرفاً دولياً، وترفع الحرج عن الدول العربية والاجنبية المختلفة سياسياً مع حكومة دمشق، لذا فإن الحراك والانفتاح العربي الإغاثي والدبلوماسي جاء كواجب إنساني وأخلاقي مفروض على تلك الدول تجاه سوريا، والأمر ليس بالضرورة متعلق برغبة جادة لدى تلك الدول في التطبيع مع دمشق، رغم ان دمشق تتمنى اعادة توطيد علاقاتها من الجميع من جديد.

*ما بين دول مساندة لإعادة التطبيع مع الاسد ودول رافضة ودول ايضا وقفت على الحياد، تحدث لنا عن ذلك؟

يبدو ان الحراك الأخير صوب دمشق، بات كصراع بين موقفين متعارضين: الأول، يدعو إلى رفض التعامل مع النظام السوري مهما كانت الأسباب، وهذا الموقف تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض القوى الغربية الأخرى مثل فرنسا، والثاني، يطالب بالتعاطي مع الواقع السوري بناء على مقاربات جديدة، تعطي الأولوية لإعادة تموضع الدول العربية في الملف السوري، بعد أن هيمنت نفوذ إيران وتركيا على الملف، مستفيدين من وقوف العرب على الحياد، ويقود هذا الاتجاه العديد من الدول العربية، كالإمارات ومصر وحتى بعض الدول الأوروبية، وبالنظر إلى هذه المواقف، والمتغيرات التي أفرزها الزلزال، وفتحه لأبواب الحراك العربي صوب دمشق، وابرزها مصر.

*لماذا مصر هي الابرز، وكيف كان انفتاحها مع دمشق اثر الزلزال، وما دواعيه؟

بالنسبة لمصر، فأنه بعد ان جمدت جامعة الدول العربية عضوية النظام السوري فيها بسبب رفضه التعاطي مع الجهود العربية لتطويق الازمة، جاءت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى سوريا لأول مرة منذ عام ٢٠١١، فبهذا نرى إن هناك توجها جديدا من قبل الحكومة المصرية تجاه النظام السوري الذي يحاول اساسا كسب استعطاف الدول العربية والغربية اثر الزلزال لكسب منافع سياسية.

ومن الواضح، أن تركيز مصر على الطابع الإنساني لجولة وزير خارجيتها، يهدف إلى عدم منح تفسيرات سياسية حرجة لتحركاتها الجديدة، قبل أن تتمكن من تهيئة الأجواء مع حلفاء إقليميين ودوليين، ومع بعض الدول المتدخلة في الشأن السوري؛ كتركيا وقطر، فقد يمثل انفتاح القاهرة على دمشق حالياً إزعاجا متفاوتاً للحلفاء الغربيين وبعض الدول الخليجية، لذا، لا يمكن لمصر اتخاذ قرار التطبيع مع دمشق بدون أخذ مواقف الدول الخليجية بعين الاعتبار، خاصة أن مصر نفسها وقفت في وجه محاولات دول عربية عدة خلال السنوات الماضية لإعادة النظام السوري إلى مقعده في الجامعة العربية، في تناسق مع مواقف السعودية وقطر، وبالتالي، فإن مصر حتى وإن لم يكن هدفها الراهن هو تطبيع العلاقات مع دمشق تحاول على الأقل منح النظام السوري متنفساً سياسياً جديداً لإطالة عمره، لحين التوصل إلى حل سياسي.

*لم يتوقف الامر على مصر فقط، بل عدة دول عربية من خلال رؤساء البرلمانات؟

حالياً (بدوافع إنسانية فقط) وصل إلى دمشق اواخر شباط المنصرم وفد برلماني عربي، يضم رئيس الاتحاد البرلماني العربي محمد الحلبوسي، ورؤساء مجلس النواب في مصر، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، وفلسطين، وليبيا، بالإضافة إلى رؤساء وفود سلطنة عمان ولبنان، والأمين العام للاتحاد البرلماني العربي، ويبدو أن ما شجع الدول العربية بشكل عام على هذا الانفتاح الواسع صوب دمشق (ماعدا استغلال فرصة دبلوماسية الكوارث) هو أن الظروف الدولية وموازين القوى اختلفت بعد الحرب الأوكرانية الروسية، وخاصة بالنسبة لطهران، التي تقدم الدعم بشكل قوي للنظام السوري، مع احتدام مشكلاتها الداخلية والخارجية، ما يمنح الفرصة لتغيرات جديدة، مع وجود إدراك بأن دوافع القطيعة مع دمشق خدمت قوى أخرى أكثر من محافظتها على المصالح العربية، وهذا ما بدا واضحاً من خلال المرونة ما بعد الزلزال، ويبدو أنه جاء بهدف المزاودة على إيران، التي تقول بأنها الجهة الوحيدة التي تدافع عن دمشق.

*ذكرت لي، ان انفتاح الدول العربية على دمشق فقط للمزاودة على طهران؟

نعم، ولكن دعني افسر لك ذلك فإن الانفتاح العربي على دمشق في الوقت الراهن لا يهدف بالضرورة إلى إبعاد النظام السوري عن إيران، بقدر ما هو إعادة تثبيت الوجود العربي في سوريا، لمزاحمة الوجود الإيراني، لتيقن الدول العربية أنه لم يعد بالإمكان قطع العلاقات بين النظام السوري وإيران، بسبب هيمنة الأخيرة على كافة مفاصل السلطة في سوريا، فلا جدوى من عزل سوريا عن الدول العربية ، في ظل غياب سبيل لتحقيق اهداف قصوى، من أجل حل سياسي، وهذا مؤشر على أن الدول العربية باتت بحاجة إلى معالجة مشكلة تحول سوريا إلى بؤرة لتصنيع وتهريب المخدرات الايرانية صوب الدول العربية، وخاصة صوب الأردن ولبنان والسعودية، لذا، تجد الدول العربية ضرورة في العودة إلى دمشق للتنسيق معها، في محاولة لإيجاد حلول، أو التخفيف من مشكلة تهريب المخدرات ومشاكل اخرى كاللاجئين

*توجد اسباب اخرى لانفتاح الدول العربية على دمشق، ام انك تكتفي بسبب المزاودة على وجود طهران؟

بالتأكيد يوجد اسباب عديدة ومنها، الاستمرار في هذا الوضع ومن دون انفتاح ومشاورة مع دمشق في سبيل الوصول إلى حل سياسي يرضي الجميع، يعني ترسيخ حالة الاحتلال والانقسام في سوريا، مما يؤدي إلى خلخلة البناء العربي، ورفع مناسيب الخطر بداخله، وكذلك فأن خروج سوريا نهائياً من الحسابات العربية، وتركها للمشاريع الخارجية تقرر مصيرها، وهذا المسار من الممكن أن يكون له عواقب كبيرة على الأمن العربي، وايضاً في حال عدم الانفتاح سيؤدي إلى إعطاء إيران الفرصة لتكرس نفسها في مستقبل سوريا دون اي مقاومة عربية، وانتظار تحول سوريا إلى محمية إيرانية بالكامل، بحيث يصبح من المستحيل تغيير هذا الوضع مستقبلا، الذي سيتحول بالتبعية إلى نقطة ضعف مهمة للنظام والأمن العربيين.

*امريكا واوروبا كانت مرنة انسانياً ولكن موقفها كان حاسما في شأن التطبيع مع دمشق عقب الزلزال، كيف ذلك؟

نعم مثلما ذكرت، صحيح أن أميركا والدول الغربية أبدت مرونة في التعاطي العربي مع الوضع الإنساني في سوريا، عبر فتح خطوط إيصال المساعدات والإغاثة إلى منكوبي الزلزال، إلا أن مواقفها السياسية حيال الانفتاح أو التطبيع العربي مع دمشق كانت صارمة وواضحة، فالكونغرس الامريكي بوضوح قال: كارثة الزلزال لن تمحو جرائم بشار الأسد بحق الشعب السوري، وقال ايضاً: يجب منع إعادة تأهيل النظام، أو إعادته إلى الجامعة العربية، وأن الموجة الأخيرة من التواصل مع نظام الأسد لن تفيد الشركاء العرب، ولن يكون من شأنها إلا فتح الباب لعقوبات أميركية محتملة، واوروبا قدمت مساعداتها من خلال المنظمات العاملة في شمال سوريا مع تأكيد موقفها وهو، لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار، لا لرفع العقوبات عن النظام، ما لم يسر بشكل فعال في الحل السياسي.

*ختاماً، في خضم هذا الموضوع ما هو رأيك الشخصي؟، وايضاً كلمة اخيرة تحب ان تقولها، المجال مفتوح لك

إن الانفتاح المتواصل لعواصم عربية على دمشق، سواء قبل الزلزال او بعده، يواجه معوقات عديدة واختبارات صعبة، أبرزها الموقف الأميركي الرافض لهذا التطبيع، والتهديد بالعقوبات الأميركية أحادية الجانب المفروضة على سوريا، حيث ان ابرز ما استفاد النظام منه على خلفية دبلوماسية الكوارث هو حصوله على كميات كبيرة من المساعدات الإغاثية من الدول العربية، وعودة الأسد إلى الواجهة السياسية، وبروزه كممثل شرعي لسوريا عربياً نتيجة إرسال غالبية الدول العربي المساعدات إلى سوريا عن طريقه، وتقديمها التعازي للأسد في ضحايا الزلزال، ولكن في المحصلة، من المستبعد ان يصل هذا الانفتاح على دمشق لمستوى عودة التطبيع العربي مع سوريا في وضعها الراهن، إنما ستحاول تلك الدول دفع دمشق نحو مسار الحل السياسي، فالتقارب العربي مع الأسد هو تقارب مرحلي وليس استراتيجي، لأن الكل بات مدركاً أنه لا يمكن أن يكون للأسد مكان في مستقبل سوريا.