لكل السوريين

القرار ٢٢٥٤ الحل الجازم للأزمة السورية سالم النعسان.. الاستسلام للعشوائية عوضاً عن التنظيم هو من حول الثورة إلى أزمة

حاوره/مجد محمد

ما بين لاجئ ونازح، وبين شهيد وقتيل، ومصاب وجريح، حر واسير، غنى فاحش وفقر مدقع، سيطرة ذاك وذاك، مؤيد ومعارض، أزمة وثورة، حراك مسلح وثورة سلمية، حرب كونية ومؤامرة عظمى، مناطق محتلة ومناطق محررة، ديمقراطية وديكتاتورية، انهت الثورة السورية عامها الثاني عشر، ودخلت عامها الثالث عشر.

وفي الذكرى السنوية الثانية عشر للثورة السورية التي انطلقت في الخامس عشر من آذار عام ٢٠١١ أجرت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الحقوقي والباحث في القانون العام الأستاذ سالم النعسان وجاء الحوار على الشكل التالي:

*بداية مرحبا بك استاذ سالم، دخلت الثورة السورية عامها الثالث عشر وما زالت متخبطة بين هذا وذاك، هل لك أن تستعيد معي ذكريات انطلاق الثورة السورية وتتحدث لي عن أسبابها؟

أن كنت تسألني عن أسباب الثورة قبل اثنتي عشر عاماً، سأعود انا بك إلى عام ١٩٦٣ حينما استلم حزب البعث السلطة في سوريا بعد أن استغل فترة الحرية التي تمتع بها حكم الانفصال، واستأثر بالحكم وحده في ديكتاتورية كبيرة امحت جميع مظاهر الديمقراطية في سوريا وصولاً ليومنا هذا.

ومن ثم وصول حافظ الأسد على السلطة عام ١٩٧٠، وحكم سوريا ثلاثين عاماً بعد أن سجن وقتل واغتال أصدقاءه قبل خصومه، ثم ورّث الحكم إلى ابنه بشار وكأننا نعيش في دولة ملكية متناسين اننا نعيش في بلد يتبع النظام الجمهوري، وكأن سوريا مزرعة له ولعائلته، ثم انبعثت الثورة في ٢٠١١، حيث خرج الشعب في كل قرى ومدن سوريا منادياً بالحرية ومطالب بسيطة بشكل سلمي، وحينما واجهته آلة القتل، تمت المطالبة بإسقاط النظام، ومطالباً بالحرية والكرامة وتحقيق العدالة والمساواة، وداعياً إلى رحيل بشار الأسد، بأعداد كبيرة تعدت الملايين وذلك في كل بقاع الأراضي السورية.

وان كنت تسألني عن الأسباب المباشرة للثورة بصورة بسيطة فهي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر المدقع ومعرفة الشعب أن سوريا تعد من الدول الغنية بالثروات، لكن جميعها مسروقة من قبل العائلة الحاكمة والعصابات التابعة لها، وانعدام الحياة السياسية وتأليه الحاكم وتبجيله، وكذلك الديكتاتورية العظمى، وانعدام الديمقراطية، وتحكم أجهزة المخابرات في جميع مناح الحياة، وكذلك سياسة الحزب الواحد وغيرها العديد من الأسباب التي جعلت الشعب السوري من جنوبه إلى شماله للخروج بمظاهرات سلمية منادياً بالحرية وتحسين الأوضاع، وبسبب آلة القتل التي واجهتهم سرعان ما طلبوا طلبهم المحق وهو إسقاط النظام.

*جميعنا نرى الآن نتائج الثورة، وهي للأسف جميعها سلبية ونتجرع مرارتها كل يوم، هل هناك جدوى من الاستمرار بها؟

للأسف مدن دُمّرت، شهداء بمئات الآلاف، نازحون ولاجئون بالملايين، عشرات الآلاف بالمعتقلات، انعدام ابسط مقومات الحياة، الجميع يظن أن هذا هو بسبب الثورة، وهم مخطئين تماماً، الثورة خرجت لتحسين الأوضاع وتحقيق الازدهار في جميع مناح الحياة، ولكن تعنت النظام بالسلطة واستخدامه جميع الوسائل للبقاء في الحكم هو سبب جميع ما ذكرت سابقاً.

فأقول نعم هناك جدوى من الاستمرار بها، وان ضعفت وخذلت الثورة من قبل العالم بأجمعه وتكالبت الأمم عليها، من الواقعية أن ندرك الطبيعة المختلفة لكل مرحلة من مراحل الثورة، والآن نحن في مرحلة مختلفة تمامًا عن الأعوام السابقة، وخصوصا الان يجب أن نتعامل مع الثورة بمعطياتها، مرحلة صناعة النموذج الذي نقول فيه للعالم (هذا ما نريد، ولن نتراجع عنه مهما طال الزمن).

ومرحلة عدم التراجع برغم كل المآسي والصعوبات، لأن أي خطوة للوراء في طريق التحرر سندفع ثمنها سنوات قادمة للتقدم نصف خطوة مرة أخرى، وكل هذا لا يعني بالمطلق أن اليأس ليس حقيقيا وأن الابتعاد ليس مباحا.

مما لا شك فيه أن ثورتنا وصلت لوضع معقد وصعب على كل الأصعدة السياسية والعسكرية والاجتماعية والإنسانية، لكن الحديث عن استمرارية الثورة واجب علينا جميعا لأن الثورة بحقيقتها مستمرة طالما توجد مناطق خارجة عن سيطرة نظام الأسد، وطالما أن هناك الكثير من الشعب السوري ما زال يطالب بإسقاط النظام فهذا يعني أن الثورة مستمرة، ولا أنكر أن من يمثلون الثورة بشقيها السياسي والعسكري قد حادوا عن أهداف الثورة ووطنيتها، فيجب علينا الاستمرار بالثورة لنعيدها لطريقها الصحيح من أجل العمل على تغيير النظام وإنهاء معاناة الشعب السوري سواء في الداخل او في مناطق سيطرة المعارضة والمناطق التي ما زالت خاضعة لسيطرة دمشق، او حتى في بلدان المهجر.

*للأسف الشديد، السوريين جميعاً لم يروا من الثورة إلا الخسائر، هل توجد أهداف تحققت؟

صحيح أن الهزائم تكررت خلال مسيرة الثورة السورية، لكن ذلك لم يمنع من تحقق الكثير من الأهداف بالفعل، كما لا يمنع تحقيق أخرى مستقبلًا، فمثل هذه الثورات لا تؤتي أكلها آنيا أو على عجل، وسنكون مخطئين إذا اعتقدنا أن هدف الثورة بالحرية وإسقاط النظام يتحقق بمرحلة واحدة ومشوار واحد وضربة واحدة، المراحل كثيرة جدا وكلما زادت أخطاؤنا بالسلوك أو بالتوقعات زادت مراحلنا.

أما عن الأهداف التي تحققت فأولها كسر حاجز الخوف لدى الشعب السوري مع صرخات الحرية الأولى وهذا بحد ذاته هدف عظيم بالنظر إلى ما كانت تعيشه سوريا من قمع واضطهاد وإجرام، وعزلة نظام أسد دولياً ومقاطعته سياسياً من قبل العالم بأجمعه وإلقاء العقوبات عليه سياسيا واقتصاديا وكذلك كشفه من قبل العالم عموما والشعب السوري خصوصاً عن أنه نظام قاتل ومجرم وسفاح.

وكذلك خروج مساحات واسعة من سوريا من سيطرته وتذوق السوريين أبناء تلك المناطق لطعم الديمقراطية كمناطق سيطرة الإدارة الذاتية والشمال الخاضع لسيطرة المعارضة وان كان هناك أخطاء، وكذلك وجود كيانات تعوض غياب الدولة القوية على صعيد الخدمات أو على صعيد التنظيم المجتمعي وغيرها الكثير، وختاماً لا اريد أن ارفع سقف التفاؤل وندعي تحقيق الكثير من المطالب، لكن توجد عدة أمور يمكن البناء عليها، وأهم مطلب حققناه خلال السنوات الماضية، هو كسر الصنم الذي حاول النظام زرعه فينا وهو صنم الخوف والتبعية وإقناعنا بقدرتنا على عدم الإنجاز والاستمرارية، وهذا المطلب حققناه واستطعنا صنع شيء حقيقي من أنقاضه.

*لن أقول لك أسباب فشل الثورة السورية، لكن سأقول ما هي أسباب عدم نجاح الثورة إلى الآن؟

السبب الأول والاساسي هو رغبة إسرائيل في بقاء الأسد بالحكم، فإذا سقط النظام الضامن لأمنها واستقرارها سيؤدي لحكم نظام آخر قد يكون معادي للكيان الصهيوني، وهذا ما جعل الأمم المتحدة تدعم الثورة بشعارات رنانة فقط في حين آلة القتل والدمار لنظام أسد تعمل على مدار ٢٤ ساعة بقتل السوريين، وكذلك اختلاف موازين القوى لصالح الدول الداعمة لنظام الأسد وخصوصاً روسيا أدت لحسم المعارك لصالح النظام.

واسباب أخرى منها، انخراط الفصائل الإسلامية المتشددة في الثورة، وظهور داعش الذي جاء بمثابة خنجر في ظهر الثورة السورية وغيرها من الأسباب التي تتعلق بالثورة ذاتها منها عدم وجود شخصية واحدة توصف بأنها قائد الثورة وكذلك تعدد الفصائل وفشل التنسيق بينها، والذي جعل أدى تشتيت الحاضنة الشعبية للثورة ولم تتمكن الثورة بتقديم نفسها بشكل مقنع انها البديل الأفضل من الاسد.

وكذلك أن الثورة لم تقدم أي مبادئ جديدة أو رؤى مستقبلية واضحة، وكذلك أسلمة الثورة وصبغها بالطابع الإسلامي المتشدد والذي جعل الأقليات من أبناء الطوائف العلوية والدرزية واسماعيلية وايزيدية بالنفور منها وابتعادهم عنها، فنتج عن هذه الأسباب بعض الأحداث المفصلية التي جعلت الثورة تظهر بمظهر مؤسف، حيث أن غياب المنهجية والاستسلام للعشوائية عوضاً عن التنظيم والتخطيط ادى الى ما نراه الآن بأم أعيننا للأسف.

* بعد الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا الشهر المنصرم، غالبية الدول التي كانت مقاطعة ومعادية نظام الاسد بسبب الثورة، عادت للتواصل معه، ما تأثير ذلك على الثورة؟

الإنسانية لا تتجزأ، نعم هم قدموا المساعدات للسوريين المنكوبين، ولكن أيضا لا يجب عليهم نسيان أن هذا النظام هو سبب بنكبة أكبر، إذا كانت الدولة العربية والأجنبية التي تواصلت مع الأسد بغرض تقديم المساعدات جادة في مساعدة الشعب السوري، فعليها أن تشترط على سلطة الأسد قبول إجراءات توحد السوريين، وتفتح المجال أمامهم للنهوض بمجتمعهم وبلدهم، وفي حال تعذر ذلك، فينبغي أن تجري هذه الدول الاتصالات الجادة مع الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة في الملف السوري، لا سيما مع الجانب الأمريكي باعتبار أن الكلمة الفصل في الشأن السوري ستكون له دون غيره، وذلك بهدف الوصول إلى توافقات تمهد لخروج القوى الأجنبية جيوشاً وميليشيات من سوريا، وإلزام السلطة بالقبول بانتقال سياسي حقيقي استنادا إلى بيان جنيف ١ لعام ٢٠١٢ والقرار الأممي ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥، فسلطة بشار الأسد بما اقترفته بحق السوريين، لن تتمكن من توحيد السوريين ووطنهم، وهذا معناه أن الانفتاح العربي والاجنبي الحالي على الاسد، وربما المستقبلي هو تعويم للنظام المجرم ونسيان معاناة السوريين والتفريط بدم الشعب السوري.

* لنكن منطقيين واقعيين، روسيا وإيران حلفاء للأسد مما يعني أنه من الصعب إسقاط نظام الأسد عسكريا، ما هو الحل برأيك؟

الحل انه يجب إيجاد حل سياسي شامل للأزمة السورية وإنجاح ثورة الشعب السوري عبر تطبيق القرارات الدولية وخاصة القرار ٢٢٥٤ الذي يضمن عملية الانتقال السياسي و ينهي الاستبداد والفوضى والدمار ومناطق النفوذ، وعمليات التغيير الديمغرافي وعودة المهجرين إلى مناطق سكناهم الأصليين وعودة الحياة المدنية إلى كافة المناطق السورية عبر نظام لامركزي سياسي تعددي.

والان، وفي ذكرى الـ ١٢ للثورة السورية اناشد المجتمع الدولي الوقوف بجدية على معاناة السوريين، وإيجاد الآليات المناسبة لتطبيق القرارات الدولية بحل الأزمة السورية، ووضع حد لمماطلة النظام ومراوغته، ويجب إسقاطه ومحاكمته، كما يتوجب على جميع أطراف المعارضة السورية (السياسية، والعسكرية) مراجعة سياساتها وأدائها، والعودة إلى حاضنة الشعب الذي ثار ضد القمع والاستبداد، وتصحيح مسارها عبر صياغة مشروع وطني سوري جامع لكل مكونات الشعب السوري.

*سؤال يتداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي بمناسبة الذكرى الثانية عشر للثورة السورية، وسنوجهه لك، هل الأمر كان يستحق هذا العناء؟

عندما يتأمل المرء في كيفية انطلاق الثورة وما آلت إليه الأمور بعد اثنتي عشرة سنة ، يصاب بالذعر، فما بدأ على شكل احتجاجات شعبية لتحقيق مطالب محلية تحول إلى نزاع مسلح، ثم إلى حرب بالوكالة استقطبت لاعبين إقليميين ودوليين، والآن بات يحارب السوريون حروب الآخرين على أرضهم، لذا أعتقد أن الأمر لايزال يستحق العناء حتى الآن، حتى نشكل دولة ديمقراطية تسودها الحرية، وطرد جميع مظاهر الاحتلال، ومحاسبة المجرمين.

*ختاماً، كلمة أخيرة تحب أن تقولها؟

سأقول، تجرأ السوريون، قبل اثنتي عشرة عاما، على الحلم، وتذوقوا طعم الحرية والكرامة في مواجهة إجرام النظام ووضاعته، تكالبت كل الظروف ضد حلمهم، عزاؤهم الوحيد اليوم هو أن النظام جثة تسير على قدمين، ولا بد للجثة أن تدفن أو تحرق في لحظة ما، لا يمكننا اليوم التكهن بشأنها.