لكل السوريين

اجتماع العقبة المثير للجدل.. طعنة جديدة لتضحيات الفلسطينيين وإدانة غربية نادرة لإرهاب المستوطنين

تحقيق/ لطفي توفيق

منذ عودة نتنياهو إلى سدة الحكم على رأس حكومة يمينية متطرفة في كانون الأول الماضي، تصاعدت جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين وأدت إلى ردود فعل واشتباكات مسلحة ازدادت حدتها في الآونة الأخيرة.

مما أثار المخاوف من اندلاع صراع إسرائيلي فلسطيني على نطاق واسع، قد يغيّر المعادلات التي سعت قوى إقليمية ودولية لتثبيتها في المنطقة خدمة لمصالحها، وتكريساً لتشرذم القوى الفلسطينية وفصائلها المسلحة، وخوفاً من أن تتسبب جرائم الاحتلال بمزيد من التصعيد بما يؤدي إلى انفجار يشكل إحراجاً للسلطة الفلسطينية، ويساهم في إيجاد الظروف لاندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة تعيد خلط الأوراق من جديد.

وفي هذا الصدد جاءت مبادرات متعددة للتهدئة، كان آخرها اجتماع العقبة في الأردن الذي حضره ممثلون عن حكومات إسرائيل وفلسطين والأردن ومصر والولايات المتحدة.

وأثارت مشاركة السلطة الفلسطينية في هذا الاجتماع غضب معظم الفلسطينيين على اختلاف توجهاتهم، ونددت به فصائل المقاومة الفلسطينية.

ووفقا للبيان الختامي للاجتماع، فقد اتفق الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي على دعم خطوات بناء الثقة لمعالجة القضايا العالقة عبر حوار مباشر، وأكدا التزامهما بجميع الاتفاقات السابقة بينهما، والعمل على تحقيق السلام العادل والدائم.

وشكك العديد من المتابعين للشأن الفلسطيني بنجاح مساعي التهدئة، في ظل تصاعد القمع الإسرائيلي غير المسبوق على يد حكومة نتنياهو المتطرفة، وقرب حلول شهر رمضان المبارك وعيد الفصح اليهودي، حيث تتصاعد أعمال العنف بين الطرفين عادة.

طعنة جديدة

استبقت فصائل المقاومة الفلسطينية اجتماع العقبة باستنكار مشاركة السلطة الفلسطينية فيه، ووصفت مشاركتها بـ “طعنة جديدة لتضحيات الشعب الفلسطيني وخيانة لتضحيات الشهداء”، واعتبرت الاجتماع استكمالاً لمخططات التآمر على الشعب الفلسطيني وقضيته، ومحاولة جديدة لاستئصال مشروع المقاومة.

كما أثار الإعلان عن مشاركة السلطة الفلسطينية في الاجتماع احتجاجات غاضبة في الأراضي الفلسطينية، كونه جاء بعد أيام من المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مدينة نابلس، واستشهد فيها أحد عشر فلسطينياً بينهم مقاومون.

ووصفت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة المشاركين في الاجتماع بـ”الخارجين عن الإجماع الوطني”، ووصفت الاجتماع بالجريمة الوطنية التي لا يمكن السكوت عنها، وحذرت من تبعاته

وعقدت اجتماعاً طارئاً لبحث موقفها من مشاركة السلطة الفلسطينية فيه.

وخلال الاجتماع حذر المجتمعون من مخرجات اجتماع العقبة في ظل تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة.

استمرار لاتفاق أوسلو

اعتبرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اتفاق العقبة استمراراً لاتفاقية أوسلو، وقال مسؤول دائرة العلاقات العربية والقومية بالجبهة “إن ما يجري الآن من الطرف الفلسطيني امتداد واستمرار لكارثة اتفاق أوسلو وما أعقبه من اتفاقيات، والذي كان من نتائجه الانقسام البغيض في صفوف شعبنا”.

وأضاف في تصريح صحفي “منذ توقيع اتفاق أوسلو وبرتوكول باريس الاقتصادي، ونحن نعتبر أن جريمة ارتكبت بحق شعبنا وقضيتنا الوطنية، ومنذ توقيع اتفاق أوسلو وحتى يومنا هذا، والتنازلات مستمرة، والمستفيد هو العدو والولايات المتحدة”.

ولفت المسؤول الفلسطيني إلى أن سحب السلطة لمشروع إدانة الاستيطان من مجلس الأمن بإذعان لقرار الولايات المتحدة، “مثّل ضربة لشعبنا وتأكيداً على رغبة السلطة في الاستمرار في مسلسل التنازلات”.

واعتبر مشاركة السلطة في قمة العقبة جريمة جديدة ارتكبتها السلطة بحق الشعب الفلسطيني.

وطالب السلطة بعدم المشاركة في هذه المؤامرة “فشعبنا جاهز لاستمرار المقاومة، والانتفاضة ستتصاعد، وسيدفع العدو ثمن جرائمه غالياً”.

كما حثّ على ضرورة “وجود حراك شعبي  فلسطيني داخل الوطن وخارجه رفضاً لوصفة الاقتتال الداخلي الذي تتأهب السلطة للانخراط به على ضوء نتائج قمة العقبة”.

تفاهمات ولدت ميتة

اعتبر أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي أن تفاهمات العقبة ولدت ميتة، لأن الجانب الإسرائيلي لا يرغب في التهدئة ويكذب باستمرار، فبعد اجتماع العقبة قام بمجزرة وحشية وصفها بأنها “هجوم استيطاني فاشي عنصري ومتطرف”.

ولام البرغوثي السلطة الفلسطينية لأنها رضخت للضغوط وقبلت سحب مشروع رفض الاستيطان من مجلس الأمن قبل أيام، ثم عادت وقبلت المشاركة في اجتماع العقبة رغم أنها تدرك على مدى سنوات طويلة أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن الوقوف إلى جانب إسرائيل.

ودعا السلطة للتخلي عن كل الاتفاقيات والتفاهمات التي أبرمتها مع إسرائيل وأن تضع العالم أمام مسؤولياته.

وأكد أن الشعب الفلسطيني “يعيش حالة انتفاضة على شكل موجات متتالية منذ عام 2015 عندما أدرك فشل المشاريع السياسية، وأن الحركة الصهيونية لا تريد حلاً وسطاً مع الفلسطينيين”.

كما شدد على أن الفاشيين في الحكم الإسرائيلي يهدفون من خلال التصعيد إلى ضم الضفة الغربية وترحيل الفلسطينيين.

نحو مقاومة شاملة

قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس إن الشعب الفلسطيني “يتجه نحو مقاومة شاملة مع الاحتلال، أقرب ما تكون إلى انتفاضة كبيرة”.

وأضاف موسى أبو مرزوق، خلال لقاء نظمه الموقع الرسمي لحركة حماس الناطق باللغة الإنجليزية، إن توجهات الحكومة الإسرائيلية الحالية “تدفع لمواجهة مباشرة مع الشعب الفلسطيني”

وذكر أن التصعيد في الضفة والقدس له علاقة مباشرة بالأوضاع التي يخلقها الاحتلال، مؤكداً أن “أية تحركات سواء في شهر رمضان أو غيره، لن تقابلها حماس بالورود، بل ستقاوم المحتل المجرم”.

وأوضح أن “الاعتداءات الصهيونية بالضفة والقدس وتوسيع الاستيطان وتهجير الفلسطينيين من حي الشيخ جراح، كانت المحرك الأساسي لمعركة سيف القدس عام 2021، والإجراءات التي يقوم بها الاحتلال حالياً أعمق تأثيراً مما كان في ذلك الوقت”.

وأكد القيادي في حماس أن “الهدوء سيعود بانسحاب الاحتلال من الضفة والقدس، وما دام هناك احتلال توجد مقاومة”.

وقال “إذا كان المجتمع الدولي يريد الهدوء فعليه دفع الاحتلال للانسحاب من أرضنا المحتلة”.

السلطة الفلسطينية ترد

فيما يبدو أنه رد على انتقادات الفصائل للسلطة، كشف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عن عدم وجود خطة أمنية أميركية في اجتماع العقبة.

وقال حسين الشيخ، “حددنا مطلبنا الرئيسي خلال مرحلة انتقالية تمتد من ثلاثة إلى ستة أشهر، وهو وقف كل هذه الإجراءات الأحادية الإسرائيلية، بدءاً من موضوع الاستيطان، إلى الاقتحامات، وهدم البيوت، والأمر الواقع في الحرم القدسي الشريف، وما يتعرض له الأسرى من سياسات قمعية جديدة، ونحن قمنا بنشر 13 مطلباً فلسطينياً تندرج تحت بند الإجراءات الأحادية الإسرائيلية”.

وأكد أن الطرف الفلسطيني لم يقدم أي تنازل، ووقف التنسيق الأمني ما زال قائماً بقرار القيادة الفلسطينية “لأن هذا مرتبط بتنفيذ إسرائيل وقف الإجراءات الأحادية، حينها نحن مستعدون لإعادة الترتيبات الأمنية لتنفيذ هذه الصفقة الكبيرة المتعلقة بوقف الإجراءات الأحادية”.

وجدّد الشيخ التأكيد على عدم وجود أي شكل من أشكال التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وقال “نحن أبلغنا إسرائيل والأميركيين والجميع بأننا لن نتقاسم وظيفياً مع إسرائيل في موضوع الأمن في الضفة الغربية”.

وشدد على أن “قوات الأمن الفلسطينية غير مستعدة لأن تعمل في النهار وقوات الاحتلال تعمل في الليل، هذا ليس دورنا وليست مهمتنا، إما أن نأخذ المسؤولية الأمنية كاملة وفق الاتفاقيات، أو أن تستمر إسرائيل كقوة احتلال”.

بالتزامن مع قمة العقبة

بعد مقتل مستوطنين بعملية حوارة، دفع جيش الاحتلال بتعزيزات وأغلق مفارق الطرق والمحاور الرئيسية، وباشر بعملية تمشيط ومداهمة واسعة بحثاً عن المنفذ، وقام بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على منازل المواطنين قرب حاجز بيت فوريك شرقي نابلس.

واعتدى المستوطنون على سيارات الإسعاف في حوارة، ومنعوا الصحفيين من تغطية أخبار الاعتداءات، وأحرقوا ثلاثة منازل وحطموا عدة منازل أخرى، ومنعت قوات الاحتلال طواقم الدفاع المدني من الوصول إليها.

ودعا وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش إلى محو بلدة حوارة الفلسطينية، وقال “أعتقد أن حوارة يجب محوها بالكامل وعلى دولة إسرائيل أن تفعل ذلك”.

في تصريحات قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إنها “بغيضة وغير مسؤولة ومثيرة للاشمئزاز”، ودعا بنيامين نتانياهو إلى استنكارها والتنصل منها علناً.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن تصريحات وزير المالية الإسرائيلي تصل إلى حد التحريض على العنف.

وكان عضو الكنيست من الصهيونية الدينية تسفيكا فوغل، قد دعا أيضاً إلى حرق بلدة حوارة،

وأشار إلى أن إعادة الأمن لسكان إسرائيل يستدعي “توسيع نطاق العقوبات الجماعية ونزع القفازات”.

وسبق له أن قال في مناسبات أخرى إن المطلوب هو قتل مئة فلسطيني يومياً، “لإجبار الفلسطينيين على الاستسلام” للإرادة الإسرائيلية.

إدانة غربية نادرة

أدان المكتب الأميركي للشؤون الفلسطينية في القدس “أعمال العنف العشوائية والواسعة النطاق وغير المقبولة التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون في المناطق الفلسطينية”.

وعبّر المكتب عن قلقه إزاء هذه الأعمال، وقال في بيان له “نريد أن نرى محاسبة كاملة، ومقاضاة للمسؤولين عن الهجمات الشنيعة التي يرتكبها المستوطنون”.

ونقل موقع أكسيوس الأميركي عن تقرير لوزارة الخارجية الأميركية قولها “إن قوات الأمن الإسرائيلية لا تمنع هجمات المستوطنين على الفلسطينيين، ونادراً ما تعتقل أو تتهم المستوطنين الذين يرتكبون أعمال عنف ضد الفلسطينيين”.

كما أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه الشديد إزاء أحداث العنف المتصاعدة في الضفة الغربية المحتلة، وأدان “عنف المستوطنين الذي أدى إلى مقتل فلسطيني وجرح مئات آخرين وحرق المنازل والمحلات التجارية وتخريب الممتلكات الفلسطينية بشكل لا يمكن القبول به”.

وقال الاتحاد في بيان له إن مسؤول السياسة الخارجية والأمن جوزيب بوريل اتصل بالسلطات الإسرائيلية والفلسطينية، وطالب بوقف العنف والإرهاب وحماية جميع المدنيين.

ودعا بوريل جميع الأطراف إلى اتخاذ خطوات فورية لإنهاء دورة العنف المميتة ومنع مزيد من الخسائر في الأرواح، وضمان المساءلة وتقديم الجناة إلى العدالة.

وبدوره، طالب البرلمان العربي المجتمع الدولي ومجلس الأمن “بالتحرك الفوري والعاجل لوقف اعتداءات المستوطنين المتكررة وإدراج مليشيات المستوطنين إسرائيليين على قوائم الإرهاب”.

وأكد أن “إرهاب المستوطنين للمواطنين الفلسطينيين العزّل أصبح أسلوباً ممنهجا، وعدم ردعهم ومحاسبتهم أعطى لهم الفرصة بالاستمرار في جرائمهم واعتداءاتهم من إطلاق الرصاص وحرق المنازل والمركبات، وطرد المزارعين من أراضيهم”.

وأعرب البرلمان في بيان له عن “استنكاره البالغ لأعمال العنف التي ارتكبتها مليشيات المستوطنين بحق أبناء الشعب الفلسطيني في بلدة حوارة جنوب نابلس، ومدن الضفة”.