لكل السوريين

وسط تفاقم الأزمات بسببها، وغياب المؤشرات لوقفها.. تدخل الحرب في أوكرانيا عامها الثاني

تحقيق/ لطفي توفيق

دخلت الحرب في أوكرانيا عامها الثاني دون حسم عسكري على الأرض، أو وجود أفق لحل سلمي عبر المفاوضات، رغم سعي بكين إلى تسوية هذا الصراع بالوسائل السياسية من خلال مقترح غامض لوقف هذه الحرب نشرته الصين، وتباينت ردود الفعل عليه بين تشكيك أميركي وألماني بقيام الصين بدور بناء من أجل السلام في أوكرانيا، وتأكيد أوكراني على أن الحرب في أوكرانيا ستنتهي بدون أي تنازلات أوكرانية.

وإعلان روسيا على لسان المسؤول الثاني في مجلس أمنها أن موسكو ستنتصر في أوكرانيا، وأنها مستعدة للمضي حتى حدود بولندا.

ومع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني، لا تزال روسيا تسيطر على نحو خمس أوكرانيا رغم خسارتها مساحات من الأراضي في انتكاسات كبيرة في ساحة المعركة العام الماضي.

ويؤكد بوتين أنه مصمّم على مواصلة الهجوم على أوكرانيا، ويتحدث عن الثالوث النووي مرة أخرى، ويعلق مشاركة موسكو في آخر معاهدة لضبط الأسلحة النووية بين موسكو وواشنطن.

وتستمر الدول الغربية بمواقفها المعلنة، حيث يشدد الرئيس الأميركي على عدم تواجد قوات عسكرية أميركية على الأراضي الأوكرانية، ويسعى إلى فرض المزيد من العقوبات على موسكو وعزلها دولياً، وتقديم المزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا بما فيها الأسلحة الثقيلة،

وتدعم الدول الغربية أوكرانيا حتى لا يربح بوتين ويهدد أوروبا ويغير النظام العالمي القائم، ولا يخسر “خسارة مذلة” حتى لا يلجأ إلى خيار التصعيد النووي.

وكان قطاع الطاقة العالمي الأكثر تأثراً بسبب هذه الحرب حيث ارتفعت أسعارها بشكل يفوق قدرة الاقتصادات غير البترولية على تحملها، وانعكس ذلك سلباً على الحياة اليومية لمواطنيها وعلى القطاعات الإنتاجية والخدماتية فيها، كما ألقت أزمة الغذاء بثقلها الكبير على العالم.

وفي غياب بوادر نهاية وشيكة للحرب، ستتفاقم هذه الأزمات وستتحمل الشعوب، والفقيرة منها بشكل خاص، تكلفتها القاسية.

أزمة الغذاء

أسفرت الحرب في أوكرانيا عن تعطيل الإمدادات العالمية من الغذاء والوقود والأسمدة، وأدّى ذلك إلى تفاقم الوَضع المأساوي لملايين الأشخاص في العديد من البلدان، ودفعت بأسعار الغذاء والوقود والأسمدة إلى مستويات قياسية.

وأصبحت أزمة الغذاء العالمية واحدة من أصعب نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا الذي ساهم في انتشار المجاعة والفقر.

ووصل مؤشر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة لأسعار الغذاء، الذي يقيس التغيّر في الأسعار الدولية لسلّة من السلع الغذائية الأساسية، إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، وسجل رقماً قياسياً جديداً مع نهاية العام الماضي.

وحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يعود هذا الارتفاع في المؤشر إلى الزيادة الكبيرة في أسعار الحبوب والزيوت النباتية بسبب تأثير الحرب في أوكرانيا على سلاسل التوريد، حيث تعتبر روسيا وأوكرانيا من أكبر الدول المصدرة للحبوب مثل القَمح والذرة والزيوت النباتية مثل زيت عباد الشمس، كما تعدّ روسيا أحد أهم مصدري الأسمدة عالمياً.

وقال صندوق النقد الدولي إن الاضطرابات التي سببتها حرب أوكرانيا لتدفقات الحبوب والأسمدة أدت إلى أسوأ أزمة للأمن الغذائي، إذ يواجه نحو 345 مليون شخص نقص غذاء يهدد حياتهم.

ووفقاً لتقرير الصندوق، تسبب نقص الغذاء وارتفاع الأسعار بأزمات شديدة في جميع أنحاء أفريقيا وآسيا والأميركتين، وأشار إلى أن دولاً كثيرة مستوردة للغذاء تجد صعوبة في سداد ديونها إضافة إلى سداد النفقات الأخرى بسبب ارتفاع التكاليف.

وبدأت أزمة الغذاء مع الغزو الروسي وفرض الحصار البحري على أوكرانيا، حيث صارت السفن التي تحمل القمح والحبوب الأوكرانية ترسو في مضيق البوسفور في إسطنبول بانتظار عمليات التفتيش قبل نقلها إلى الموانئ في جميع أنحاء العالم.

وبعد أن سمحت موسكو لبعض السفن بالمرور تحت الضغط الدبلوماسي، استمرت بتقييد معظم الشحنات القادمة من أوكرانيا.

أزمة الطاقة

منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا شهد قطاع الطاقة العالمي تغييرات عديدة، ولجأت بعض الدول إلى مخزونها الاستراتيجي لتقليل الضغوط على الأسواق، وإرسال رسالة لروسيا بأنه لن يكون هناك نقص في الإمدادات.

وكان ارتفاع أسعار الطاقة من أبرز هذه التغييرات، إذ تقول وكالة الطاقة الدولية إن تكاليف الوقود تشكل تسعين بالمئة من ارتفاع تكاليف توليد الكهرباء في جميع أنحاء العالم، حسب تحليل نشره المنتدى الاقتصادي العالمي.

وخلال الأشهر الماضية، خفضت روسيا تدفقات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي بنحو ثمانين بالمئة، فوجدت الدول الأوربية نفسها أمام خيارات صعبة لإيجاد بدائل للطاقة.

وفي ظل التهديدات الروسية بقطع الغاز عن الدول الأوروبية في حال عدم دفعها لأسعاره بالروبل، سارعت هذه الدول إلى البحث عن بدائل للغاز الروسي، في خطوة قد تعيد رسم خارطة سوق الطاقة العالمي، وقد تدفع العالم إلى التحول باتجاه الطاقة المتجددة.

وتوقعت الوكالة الدولية للطاقة أن يسجل الطلب العالمي على النفط مستويات قياسية هذا العام مع تخلي الصين التي تعد أكبر مستهلك، عن قيود كوفيد وتعافي السفر جواً من تداعيات الوباء،

مما يرجح أن أزمة الطاقة ستوجد مزيجاً متنوعاً من مصادر الطاقة، والتحول “إلى أنواع وقود أكثر استدامة”، حسب الوكالة.

رهانات بوتين

يكاد يجمع الخبراء في العلاقات الدولية على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتكب خطأ جسيماً عندما قرر شن حرب على أوكرانيا، واعتبر معظمهم هذا القرار مغامرة متهورة تفتقر إلى  الحسابات العقلانية.

ويشير الخبراء إلى أن بوتين بالغ في تقدير قوة جيشه، واستخف بقدرة القوات المسلحة الأوكرانية، ليس من جانب قلة عددها وعدتها، بل من جانب تعلق الأوكرانيين بقوميتهم كدافع جوهري للدفاع عنها وعن أرضهم.

كما أساء تقدير وحدة الدول الغربية ومدى استعداد حلف شمال الأطلسي ودول أخرى لمد يد العون على جناح السرعة لكييف، وقدرة الدول المستوردة للطاقة على فرض عقوبات على روسيا والكف عن الاعتماد على صادرات الطاقة الروسية.

واعتبر الخبراء أن الغزو الروسي لأوكرانيا ذكّر الأوكرانيين بالعداوة القديمة مع روسيا، وهذا ما يفسر قوة تصدي الجيش الأوكراني ومن يسانده من الشعب.

ومن الأخطاء التي ارتكبها الرئيس الروسي حسب الخبراء، مبالغته في تقدير رغبة الصين بدعمه خلال الحرب، وهي التي تشتري النفط والغاز الروسيين بكميات كبيرة، ومع ذلك لا تقدم دعماً دبلوماسياً صريحاً لموسكو، أو مساعدة عسكرية ذات قيمة.

تصعيد روسي

أعلن الرئيس الروسي تعليق مشاركة موسكو في آخر معاهدة لضبط الأسلحة بين أكبر دولتين نوويتين في العالم، روسيا والولايات المتحدة.

وزعم بوتين في خطاب قبيل الذكرى السنوية الأولى لبدء الهجوم الروسي على أوكرانيا أنه “من المستحيل هزيمة روسيا بساحة المعركة وسنتعامل بالشكل المناسب حيال تحويل الصراع إلى مواجهة عالمية”.

واتهم الغرب باستخدام النزاع في أوكرانيا للقضاء على روسيا، وحمّل الغربيين مسؤولية التصعيد، وقال إن “المسؤولية عن تأجيج النزاع الأوكراني وتصعيده وعن عدد الضحايا، تقع بالكامل على النخب الغربية.

وفي إشارة إلى الأسلحة الغربية الثقيلة التي بدأت تصل إلى أوكرانيا، قال “سنتعامل مع الأهداف التي تقع أمامنا خطوة بخطوة وبعناية ومنهجية”.

كما أعلنت روسيا إجراءات جديدة بخصوص القدرات الصاروخية لثالوثها النووي قبيل الذكرى الأولى لاندلاع الحرب في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال حفل “يوم المدافع عن الوطن” قال بوتين إن موسكو ستواصل إيلاء اهتمامها لتعزيز ثالوثها النووي، مؤكدا أن الصراع حالياً يدور على الأراضي التاريخية لروسيا.

وأشار إلى أن العام الحالي سيشهد دخول أولى منصات منظومة “سارمات” الصاروخية الخدمة القتالية، وسيتواصل الإنتاج التسلسلي لصواريخ “كينجال” الفرط صوتية، وسيشهد تسليم كميات كبيرة من صواريخ “تسيركون” الأسرع من الصوت التي تطلق من البحر.

ردود فعل

عقّب الرئيس الأميركي على قرار إعلان روسيا تعليق مشاركتها في معاهدة ستارت الجديدة للحد من الأسلحة النووية بقوله ارتكب بوتين خطأ كبيراً.

ووصف وزير الخارجية الأميركي الإعلان بالأمر المؤسف وغير المسؤول، وقال إن الولايات المتحدة ستراقب ما تفعله موسكو عن كثب.

وأكد بلينكن أن واشنطن ما زالت مستعدة لمناقشة الأسلحة الاستراتيجية مع روسيا، وقال في بيان له “نظل مستعدين للتحدث عن قيود الأسلحة الاستراتيجية في أي وقت مع روسيا بغض النظر عن أي شيء آخر يحدث في العالم، أعتقد أنه من المهم أن نواصل العمل بمسؤولية في هذا المجال”.

كما انتقد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي القرار، معتبرا أنه “يأذن بنهاية آلية مراقبة الأسلحة في فترة ما بعد الحرب الباردة في أوروبا”.

وقال ستولتنبرغ في مؤتمر صحفي “آسف لقرار روسيا اليوم تعليق مشاركتها في معاهدة نيو ستارت” وأشار إلى أن روسيا انتهكت في السنوات الماضية اتفاقيات رئيسية لمراقبة الأسلحة وتخلت عنها، وأنها بقرار تعليق مشاركتها بنيو ستارت تفكك هيكلية مراقبة الأسلحة بالكامل.

وكانت دول حلف شمال الأطلسي قد عبرت عن دعمها لشكوى الولايات المتحدة من انتهاك روسيا للمعاهدة داعية موسكو للالتزام بالمعاهدة مرة أخرى.

مبادرة صينية باهتة

بمناسبة مرور عام على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، نشرت الحكومة الصينية مقترحاً دعت فيه موسكو وكييف إلى استئناف مفاوضات السلام، وحذرت من أي استخدام للسلاح النووي، وطالبت بتجنب استهداف المدنيين والمنشآت المدنية.

وقالت وزارة الخارجية الصينية “ينبغي على جميع الأطراف دعم روسيا وأوكرانيا للتحرك في نفس الاتجاه واستئناف الحوار المباشر بينهما في أسرع وقت ممكن”.

وأكدت أن بكين تريد منع أزمة أوكرانيا من الخروج عن السيطرة، وأن “الحوار والتفاوض هما السبيلان الوحيدان القابلان للتطبيق لحل الصراع”.

ودعت إلى وقف شامل لإطلاق النار، وتعزيز خفض التصعيد التدريجي بين روسيا وأوكرانيا.

وقالت الوزارة الصينية في بيانها “يجب على جميع الأطراف التحلي بالعقلانية وضبط النفس، وتجنب تأجيج النيران”.

وفي أول تعليق على نشر المقترح الصيني، أعرب الرئيس الألماني عن تشكيك بلاده في قيام الصين بدور بناء من أجل السلام في أوكرانيا، وفي هذا الاتجاه ذهب موفق واشنطن.

بينما قال مستشار الرئيس الأوكراني ميخائيل بودلياك “هناك صيغة واحدة للسلام عرضها الرئيس زيلينسكي، وهي خروج روسيا من كل الأراضي التي احتلتها منذ عام 1991”.