لكل السوريين

دبس العنب المغلي صناعة سورية، تواظب عليها نساء العاصمة

دمشق/ روزا الأبيض

في مثل هذا الوقت من كل عام ووسط أجواء عائلية حول مواقد الحطب، تكاد تكون رائحة دبس العنب المغلي تملأ الأرياف، إذ أنها أكثر ما يميز محافظات الجنوب السوري.

ومع أصوات غليان دبس العنب، تقول سعاد المحمد، اسم مستعار لأحد سكان ريف السويداء الغربي، إنّ صناعة الدبس تعد من تراث المحافظة، وأكثر الصناعات المتميزة والتقليدية.

وبينما تقوم سعاد ”بتحريك الدبس، تشرح لصحيفتنا  طريقة تحضيره التي توارثتها عن الآباء والأجداد.

فبعد تنظيف العنب وغسله من الشوائب يتم عصره، ثم يوضع على النار، في طناجر كبيرة تعرف ملحياً باسم “الخلقينة”، لبعض الوقت بعملية تسمى “السلق”، وبعدها يترك لساعات حتى يتم تصفية السائل.

ثم يعاد غلي عصير العنب لساعات، ليتحول إلى سائل حلو ولزج يشبه العسل الأسود، وبعد أن يتم إنزاله من على النار تتم عملية “التشلاية” وهي إزالة الرغوة المتجمعة على الدبس.

ولفترة من الوقت ومع توفر الغاز، كان يتم الاعتماد عليه في غلي عصير العنب وتحضير الدبس.

وأشارت سعاد” والحسّرة تملأ صوته، “إعداد الدبس على الحطب كان متبعاً في القرن الماضي، ثم انتقلنا لإعداده على الغاز، ولكن بنقص الغاز والمحروقات، عدنا إلى الخلف لعقود من الزمن”.

كان يتم عصر العنب بشكل يدوي في المنزل أو الحقل، ولكن مع تتطور صناعة الدبس في السويداء، وبسبب كثرة الطلب عليه، لما يتمتع  به من مذاق حلو ومميز، انتشرت معاصر آلية حديثة خففت المجهود والوقت على المزارعين.

وبلغ محصول فاطمة حسين (45عاماً) اسم مستعار لمزارعة من قرية عرمان في الريف الجنوبي للسويداء، حوالي أربعة أطنان من العنب، لذلك اضطرت لعصره في إحدى المعاصر الآلية رغم التكلفة المرتفعة لإنتاج الدبس فيها.

وبحسب نوعه، فكل 4 كيلو غرام من العنب تقريباً، ينتج كيلو غرام واحد من الدبس، وتبلغ أجرة عصر كيلو الدبس حوالي ثلاثة آلاف ليرة سورية، وارتفعت في الآونة الأخيرة إلى 6000 ليرة، وذلك لغياب المازوت الصناعي المدعوم عن المعاصر، الأمر الذي دفعهم لشراء ليتر المازوت الحرّ بأكثر من 6000 ليرة.

ووصل سعر كيلو الدبس لحوالي 12 ألف ليرة سورية، ولكن بالإضافة لتكلفة عصره هناك أجور القطف ورش الأسمدة والمبيدات إضافة لعملية الحراثة، وبذلك يكون ربح المزارع شبه معدوم بعد كل هذا العناء.

ولا تقف خسائر المزارعين فقط على أجور صناعة الدبس، فغياب أسواق تصريف المنتج في السويداء ترتب عليهم مصارف أخرى.

وتقول فاطمة لصحيفتنا: “معظم سكان السويداء يعتمدون على الدبس الذي يحضرونه في المنزل، وبذلك تصبح أسواق العاصمة دمشق، رغم قلة التصريف فيها بسبب ضعف القدرة الشرائية لدى السكان، وجهة المزارعين”.

وبحسب تصريح لمدير الزراعة بالسويداء، أيهم حامد، لوكالة “سانا” التابعة للحكومة السورية، فإن صناعة الدبس في السويداء، تستحوذ على نحو 14بالمئة من إجمالي إنتاج محصول العنب بالمحافظة.

وأضاف: “تبلغ تقديرات الإنتاج الأولية لهذا الموسم نحو 1520 طناً”، مشيراً إلى أن تصنيع دبس العنب يعد إحدى طرق تسويق المحصول.

في درعا

يبقى لجغرافيا المكان وتشارك الأرض بين السهل والجبل (السّويداء ودرعا) تشابه في العادات والتقاليد وفي المنتجات الزراعية، فمعظم سكان محافظة درعا يحضرن دبس العنب منزلياً.

تقول رجاء عليوي (38 عاماً)، ربة منزل في ريف درعا الغربي، لصحيفة السوري، في ظل  الأزمة الاقتصادية في البلاد يعتمد السكان على عمل مؤنة مربيات الفواكه، التي تتوفر مزارعها في المنطقة الجنوبية، في المنزل.

وتضيف: “السكان يستطيعون جلب العنب من المزارع المحيطة ببلداتهم بأسعار تناسبهم كونها متوفرة خلال موسمها”.

ولكنها عددت صعوبات تواجههم في صناعة الدبس، منها ارتفاع سعر كيلو غرام السكر لما يقارب خمسة آلاف ليرة سورية، حيث أن العنب في درعا يحتاج لتحليته بالسكر، إضافة لشح مادة الغاز اللازمة لعملية غلي العنب.

ويلجأ سكان في درعا لشراء العنب من السويداء نظراً لمذاقه الحلو وعدم حاجتهم في تحضير الدبس إلى السكر، بحسب “عليوي”.

وتتوجه العائلات لصناعة الدبس في المنزل، “لغلاء المنتج في السوق إضافة لجودته الأقل مقارنة مع دبس العنب المنزلي”، بحسب السيدة.