لكل السوريين

بسبب قلة الدعم الحكومي.. مهن تراثية حلبية توشك على الاندثار

حلب/ خالد الحسين

يتصفح محمود حمدان (٥٣ عاماً)، أوراق الجريدة الرسمية متناسياً بذلك الحال الذي أل أليه ، وهو صاحب ورشة لصناعة الأدوات الحديدية، في محله الصغير وورشته التي يعود تاريخها لأكثر من 200 عام.

توارث “حمدان” صناعة الأدوات الزراعية في العائلة أباً عن جد، لكن الحرب والدمار الذي لحق بسوق باب الحديد بسبب المعارك بين القوات الحكومية والمعارضة المسلحة نهاية العام 2012 دفعته لإغلاق ورشته ومغادرة السوق.

يقول إنه كان متفائلاً أواخر العام الماضي حين أعاد افتتاح ورشته.

“صحيح أن المعدات سُرقت وأصاب الدمار جوانب في المحل، لكنني قمت بشراء بعض الأدوات وصنعت بنفسي بعضها الآخر.”

لكن عمله لم يعد مثمراً مع هجرة سكان الأرياف وتراجع الاهتمام بالزراعة، “فكميات البيع قليلة قياساً بما قبل الحرب.”

وكانت مدينة حلب تعرف بالعاصمة الاقتصادية لسوريا، وفي العام 1986 ضمت اليونسكو حلب القديمة لمواقع التراث العالمي.

وخلال عقد من الحرب في سوريا، تضررت حلب اقتصادياً بفعل القتال والقصف ونقل المعامل إلى تركيا، وتوقفت عجلة الاقتصاد في المدينة وتعرض كثير من أسواقها القديمة للتدمير والحرق والنهب.

وفي ورشته، يقوم “حمدان” بتصنيع مناجل حصاد وسلاسل حديدية ومستلزمات للأحصنة وتربية الدواب وأدوات أخرى زراعية وريفية.

لكن ارتفاع أسعار المواد الأولية مثل الحديد الخام والفحم الحجري المستخدم في إذابته وحتى الأوكسجين الخاص باللحام، جعل أسعار المنتجات تتضاعف لـ400 بالمئة مقارنة مع عمله قبل الحرب.

“منجل الكساحة الذي كان ثمنه 1500 ليرة بات يكلفنا أكثر من 20 ألف ليرة سورية.”

ورغم أن صناعة الحديد اليدوية تراث حلبي أصيل وذات أهمية اقتصادية، لكن عدد الورشات حالياً لا يتجاوز سبع ورشات.

وعقدت عدة اجتماعات حكومية للحرفيين والصناعيين في حلب، وكان تزويد المناطق الصناعية والأسواق بالكهرباء وتوفير المواد الأولية من أبرز المطالبات ليتمكنوا من عملية الإنتاج والمنافسة.

يقول “حمدان” إن الحكومة لم تقم حتى بتأمين المواد الأولية بأسعار مناسبة ولا أوصلت الكهرباء للسوق.

ويضيف: “يبدو أنني سأكون آخر فرد من أسرتي يعمل في هذه الورشة.”

ويرى حسن تركماني (٦٦عاماً)، وهو مدرس متقاعد من سكان حلب القديمة، إن المدينة لم تغيرها الحرب فقط بل غيرها أيضاً الإهمال والسياسات الحكومية.

فالحكومة لا تبدي أي اهتمام بتنشيط الصناعات اليدوية ودعمها، وحتى الآن لم يتم صيانة الورش ولا إعادة الخدمات للأسواق التراثية القديمة، كما لا يوجد برنامج لدعم الحرفيين وتحفيزهم للعودة لمهنهم”، على حد قول “تركماني”.

وتستمد أسر حلبية أصيلة أسماءها من الحرف والمهن التراثية التي كانت تعمل بها مثل “عجان الحديد والخرقي والدهان والصباغ والفتال وغيرها.”

وفي أسواق حلب القديمة، تجد مهناً عريقة مثل النجارة العربية وصناعة الزجاج المعشق والموزاييك وصناعة وتشكيل الحديد يدوياً.

ويستذكر “تركماني”: “قبل الحرب كنت تجول على هذه الأسواق وترى فيها الأبناء يتعلمون من الآباء أسرار العمل ومهاراته، لكن للأسف ضاع كثير من الصناعات اليدوية ومنها ما شارف على الانتهاء.”

ويضيف: “حلب بحاجة لإعادة إحياء تراثها وصناعتها لأنها إرث حضاري لا يخص أهلها فحسب، بل هو إرث إنساني.”

ويصف عدنان العلبي (٤٩عاماً)، وهو صاحب ورشة لتصنيع النحاسيات، سوق النحاسين في حلب بالخرابة بسبب الدمار الكبير الذي طاله في سنوات الحرب وغياب الدعم الحكومي.

ويعتقد كثير ممن عاودوا افتتاح محالهم في السوق الواقعة في حلب القديمة شمال شرقي قلعتها أن مهنة دق النحاس وتزيينه شارفت على الاندثار في المدينة التي ذاع صيت صناعاتها طوال عصور سابقة.

وقال “العلبي” إن هذا السوق كان من أشهر الأسواق وأجملها في حلب، “لكن المحال مفتوحة الآن للدعاية ولإظهار عودة المهن التراثية لحلب.”

وأضاف : “بالرغم من الوعود الحكومية بإعادة مهنة دق النحاس يدوياً إلا أن عدداً محدوداً من أصحاب المهنة رجعوا للسوق، فهذه الصناعة لم تعد مهنة تدر أرباحا للعاملين فيها.”

ويعيد صناعيو سوق النحاسين تدهور عملهم إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية، لا سيما النحاس الخام، وعدم وجود سياح يشترون القطع النحاسية المزخرفة كما كان الحال سابقاً.

وذكر “العلبي” أن السكان المحليين لا يرغبون في شراء أدواتهم بسبب أسعارها الباهظة مقارنة مع أوضاعهم المعيشية المتدهورة، “فالعائلات تفضل أدوات الطبخ والأواني المصنوعة من الألمينوم المستورد الأقل سعراً.”

يقول بحسرة: “سوق النحاس لن يستطيع النهوض من جديد، ستندثر الحرفة الضاربة في تاريخ حلب.”