لكل السوريين

استعجل أطفال الساحل المدارس ليخرجوا من بيوتهم، صيفية بلا نشاط وبلا ترفيه

اللاذقية/ سلاف العلي

يعيش أكثر من 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، يعجزون عن تأمين المستلزمات الرئيسية المعيشية مثل الطعام والشراب، جراء تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي.

من خلال سؤالنا للعديد من العائلات في طرطوس وريفها واللاذقية وريفها, حول العطلة لصيفية لأولادهم وكيف قضوها, وهل كانت فرصة للترفيه, بكل اسف وحزن, ما ان سألنا هكذا أسئلة, حتى انهارت علينا الإجابات عن الوضع الحياتي الكارثي ,والصعوبات التي تعترض الأهالي في تأمين قوت يومهم وحاجياتهم اليومية الضرورية, قبل ان يتم التفكير بالرفاهية, الأنشطة الترفيهية الصيفية للأطفال خرجت من حسابات غالبية العائلات السورية، مع استمرار تدهور الوضع المعيشي والاقتصادي في سورية ككل.

فورا يتبادر البحر إلى الذهن عندما نقول إننا نتكلم من الساحل، لكن هيهات من توفر السواحل المجانية وغير المستثمرة، لم يتركوا لنا الأماكن على الشاطئ العميقة أو الصخرية أو القريبة من مصبات المجارير، هكذا أجابانا السيد أبو سراب, وهو من طرطوس وموظف وزوجته موظفة ومعهم أولادهم الأربعة.

ويضيف “جميع الأماكن على الساحل تم استثمارها, موسم للشغل, فالذين لا يستطيعون أعمار الشاليهات أو من لم يحصل على ترخيص ببناء الشاليهات, يقومون باستئجار الأراضي الخاصة من أصحابها بأسعار فلكية أيضا, وإذا أراضي أملاك عامة فأجارها أرخص, لكن فقط يلي الله كاتبلوا وداعتلوا أمه, لأن الأمر يحتاج إلى قدرة ربانية لتحصل على بقعة أرض للآجار, من أجل الاستثمار ويعمرون أماكن للجلوس بالقصب , فقط للسياحة المؤقتة, يعني على الماشي”.

ويكمل “يوجد طاولات وكراسي وشماسي ومياه حلوة لاستحمام, وكافتريات فيها بعض المشروبات وبالبسكوت والبطاطا وهيك قصص, وبإمكان المواطن أن يحضر أكله وطعامه وحتى شرابه, يمكن أن يسخنون لنا الماء للمتة أو للشاي و للقهوة, لكن اليوم أصبح البحر ليس لنا نحن الذين أوضاعنا متوسطة أو أصحاب الدخل المحدود فكيف للفقراء”.

ويستطرد “في المساء نعود إلى بيوتنا, لأنه لا يمكننا أبدا أن نساعد أطفالنا على الاستجمام كل يوم في أماكن أخرى, أقل طاولة عند هذه الأماكن الشعبية, فقط للجلوس, تكلفتها 35الف ليرة وكل كرسي 15 الف ليرة, والشمسية ب15الف ليرة, وتسخين ابريق الماء 1000 ليرة سورية, وبدون اكل او شرب, طبعا لا يمكننا ان تأتي الى هنا كل يوم, لأننا سندفع رواتبنا, اذا اردنا فقط ان نرفه أولادنا بالصيفة, وهكذا دون تأمين احتياجاتنا الأخرى”.

أم وسيم من جبلة، سألناها كيف قضوا الأولاد الصيفية، فقالت لنا عندها ثلاثة أولاد صغار، طفلان في الاعدادي والأخر ابتدائي، كنت ناوية اضعهم في المسابح ليتعلموا السباحة, لأنني أخاف عليهم من سباحة البحر, من الغرق أو حوادث الاختطاف والعنف الذي بات منتشراً بكثافة في مختلف المناطق, تفاجأت هذا العام بأجور دورات السباحة التي تجاوزت الـ 200 ألف ليرة سورية, لكن مسبح هدير البحر وهو من المسابح الرخيصة ويمكن ارخص واحد بكل الساحل السوري,، كلفة الدورة فيه50 الف ليرة لكل طفل، من دون مواصلات.

وتضيف “في حال قررت إلحاقهما بالدورة، سأدفع 80ألف ليرة وهي أكثر من نصف راتبي الشهري للطفل الواحد , واذا سجلت للثلاثة أولاد فمعناتا سنقوم بالدين انا وزوجي ولسه ما اكلنا ولا شربنا, الكثيرون من الأهالي فضلوا نسيان الحكاية وترحيلها لعام قادم عساه يكون أفضل حالا”.

وخاصة أن رواتب السوريين العاملين لدى المؤسسات الحكومية لا تتجاوز الـ 200 ألف ليرة سورية في أحسن أحوالها، ووسطيا لا تتجاوز الـ 120 ألف ليرة.

وتتراوح أجور دورات السباحة الشهرية لمدة 3 أيام في الأسبوع بمعدل ساعة ونصف للجلسة بين 90 الى 135 ألف ليرة سورية، متضمنة أجور المواصلات، والتي غالبا ما تكون بين 15 إلى 30 ألف ليرة، بحسب تواجد المسبح في المدينة.

أبو طارق، يعمل سائق تكسي في طرطوس، اضطر وتحت إلحاح ابنه البالغ من العمر 12 سنة إلى تسجيله في أحد المسابح الخاصة خارج المدينة، بكلفة 100 ألف ليرة شهريا بدون مواصلات، وقام بإعطاء أحد المشرفين 25 ألف ليرة لينتبه عليه، خصوصا مع كثرة الأحاديث المتداولة عن وجود حالات غرق خلال تلك الدورات، وأن الخطر خلال دورات السباحة قائم، لقلة وجود المشرفين، لكن أجور الدورات تبدو مرتفعة قياسا بالدخل، لكن يحتاج المشرفون إلى رواتب شهرية لائقة.

والآن سنذهب في حديثنا إلى ماسي وأمراض رياض الأطفال، وكل المعاناة متشابهة في مدن الساحل السوري، وتفتح رياض الأطفال في الصيف بأنشطة ترفيهية مختلفة، وتستقبل الأطفال من كافة الأعمار، وهي موجهة للأمهات العاملات، اللواتي يبحثن عن مكان لترك أطفالهن فيه خلال الدوام الرسمي، ولا توجد أي روضة بقسط أقل من 60 ألف ليرة شهريا، ومن دون مواصلات، وهو مبلغ من المستحيل تأمينه لطفلين، لأن راتب الموظفة الحكومية لا يتجاوزال120 ألف ليرة سورية.

والسيدة الفاضلة المهندسة حسناء، تقول: ترتفع أجور رياض الأطفال في اللاذقية تبعا لاسم الروضة ومكان تواجدها، ففي الأحياء الشعبية تبلغ الأقساط نحو 60 ألف ليرة للطفل الواحد بدون مواصلات و80 ألف مع مواصلات، وتصل إلى 150 ألف ليرة بدون مواصلات و180 ألف مع مواصلات في أحياء أخرى، بينما في المدارس الخاصة تصل إلى 225 ألف ليرة شهريا مع مواصلات, وبمقارنة بسيطة مع رواتب الموظفات الحكومية الذي يتراوح بين ال120 الى 130 ألف ليرة، تبدو مستحيلة المنال، وهو ما جعل طبقة الموظفين الحكوميين يبحثون عن أنشطة أخرى أقل كلفة.

في مدينة بانياس، يقيم أنطوان 46 سنة، فقد سجل طفليه في دورة موسيقا بكلفة 30 ألف ليرة شهريا لكل منهما، وبمعدل نصف ساعة للدرس مرتين أسبوعيا، تلك الدورة ذاتها ترتفع إلى 50 ألف ليرة في معاهد موسيقا.

ينطبق الحال على دورات الرسم والتدريب على رقص الباليه، والأندية الرياضية والكاراتيه وكرة القدم، فالأجور متفاوتة تبعا لمكان وجود المعهد التدريبي وسمعته، وكذلك على وجدو الأندية الخاصة الرياضي، إلا أنها لا تقل عن 30 ألف ليرة شهريا وتصل الى حدود ال70 ألف ليرة، ان أجواء الأنشطة في المعاهد قليلة الأجور غير مناسبة للأطفال، حيث تتم معاملة الأطفال بطريقة لا مبالية، إضافة الى عدم نظافة المكان وامتلائه بالحشرات.

تعتبر المراكز الثقافي الخيار الأنسب لغالبية المواطنين قليلي الدخل، حيث لا تزيد رسومه عن 10 آلاف ليرة شهريا، إلا أن الوصول إليها بات امرا صعبا جراء أزمة النقل لأبناء المدن. اما الامر عندما يتعلق بسكان الأرياف، فهذه قصة أخرى، فأطفال القرى لا نشاط ولا ترفيه لديهم نسبيا، وخاصة تضاف الى كل تلك الأجور، أجور الطريق، وهذه لوحدها تحتاج الى راتب اخر لكل عائلة، قسم كبير من الأهالي، قرر التخلي عن فكرة البحث عن الأنشطة الترفيهية لأولادهم، والجلوس معهم في المنزل، وهكذا مضت الصيفية قاسية على عدد كبير من أطفالنا بالساحل السوري، وخاصة مع الشوب الفظيع وبلا كهرباء.