لكل السوريين

” الميّة فرنجي ” من أولويات نساء حلب في إعداد مؤونة الشتاء

حلب/ خالد الحسين 

للسوريين بشكل عام وأهالي مدينة حلب شمالي سوريا على وجه الخصوص طقوسٌ خاصة في الترحيب بموسم قطاف ثمرة الطماطم ، فهم يجلبونها إلى البيوت ويعصرونها، ويضعونها فوق أسطح المنازل، لكن الشمس الحارقة جعلتهم يباشرون بإنتاج العصير باكراً مستغلين الموجة الحارة التي تشهدها البلاد.

ويستبشر المزارعون بموسم خير مع جنيهم لثمار “الطماطم” الحمراء المنتشرة على امتداد أراضي سوريا الزراعية، وبينما تتوزع الصناديق البيضاء المصنوعة من مادة (الفلين) بجانب الشتول الخضراء حاملة الحبات الحمراء المتوهجة تحت أشعة الشمس الحارقة، تشق الحافلة المحملة من ثمار “البندورة” كما يطلق عليها السوريون، إلى طريقها نحو المدينة.

وتوصف الأراضي الزراعية بمدينة درعا جنوباً، وكذلك السفيرة، إحدى القرى في الريف الشرقي بمدينة  حلب، بأراضي البندورة وكلا المدينتين ذاع صيتها بإنتاج هذه الثمرة، التي حان وقت جنيها، ولعل الباعة يباهون بثمار البندورة القادمة من هذين البلدين، فيطلقون تسمية بندورة درعاوية نسبة لدرعا، أو سفرانية نسبة للسفيرة.

في غضون ذلك، يتقاطر السوريون هذه الأيام لجذب أفضل أصناف هذه الثمار بكميات كبيرة، حيث ينتظرون اشتداد الحرارة إلى أعلى درجاتها لصناعة ما يطلق عليه “رب البندورة” عبر عصرها واستخلاص مائها وتعبئته بأوعية كبيرة تنشر على أسطح المنازل بشكل واسع النطاق، حيث تمتد الفترة التي يقبل عليها الناس في شهر يوليو (تموز) لغاية شهر سبتمبر (أيلول) قبل أن تدنو الشمس إلى درجات منخفضة الحرارة.

ويستغل الناس الشمس الحارقة في كبد السماء مطلقين العنان لصناعة عصير لا يشرب، بل ينشر ويجفف، ثم يخزن بأوعية زجاجية يضاف إليها الزيت، وقد يتوافد الناس في أغلبهم على تجمعات بين المجمعات والأحياء السكنية، فيها صناديق كثيرة وآلة خاصة بالعصر، يعمل عليها ما بين خمسة وعشرة أشخاص من العمال منذ الصباح الباكر حتى تغيب الشمس لإنجاز عصر آخر صندوق من صناديق البندورة.

تقول السيدة زهراء (٥٥ عاماً )، حيث تستذكر صناعة رب البندورة “الطماطم” بكل شغف قبل عقود من الزمن، إذ تعصر الثمار الحمراء اليوم عبر الآلة الحديثة التي توفر جهداً كان يقع على كاهل النسوة من ربات المنازل، وتختزل وقتاً طويلاً من العمل، “لتجهيزها طقس لا يمكن للذاكرة أن تمحوه مهما تقدمنا بالعمر، إنه زمن جميل على الرغم من الصعوبة التي كانت تتسلل إلينا مقارنة بالحداثة التي تشهدها نساء هذا الزمن، حيث كانت النسوة الصديقات في الحي يجتمعن لمساعدة بعضهن، ويتبادلن الأحاديث والسير والحكايات، والأغاني الشعبية لصناعة شيء من البهجة في غمرة العمل”.

في هذه الأثناء تحجز مدينة حلب،  حيزاً بصنع المؤن الغذائية الموسمية، لا سيما أن مطبخها الزاخر يتميز بألوان الطعام والأكلات الطيبة، الأمر الذي يستلزم تنوعاً بأصناف المؤنة وأشكالها في فصل الصيف، ولعل من أكثرها شهرة صناعة “رب البندورة”، أو ما يطلق عليها العامة بـ”الميّة فرنجي” الأوفر حظاً وقرباً لقلوب أهالي المدينة، حيث الأوعية الكبيرة المليئة بالعصير الأحمر تتربع فوق الأسطح بشكل منتظم.

يروي أحد مصنعي المادة وهو الحاج محمد فخر الدين  ، “تشتهر مدينة حلب بـ(الميّة فرنجي) العصير المجفف من ثمار البندورة الذي لا تستغني عن تخزينه ربات المنازل، ويستخدمنه في الطبخ لإضفاء نكهة لذيذة للطعام”.

ويعتقد أن الكميات اليوم انخفضت بسبب غلاء المنتج، فالبيوت التي كانت تعتمد على عصر من 200 إلى 300 كيلوغرام من الثمار لاستخلاص ما بين 6 و8 كيلوغرامات من دبس البندورة، باتت مع غلاء المعيشة والتكاليف تعصر ما دون المئة كيلو، بالتالي بات الاعتماد كثيراً على الإنتاج الصناعي بكميات واسعة.

كما أن هذا الدبس يستخدمه السوريون في مدينة حلب كفطور شهي لديهم، إذ يدهن على سطح رغيف الخبز من “الميّة فرنجي”، ويضاف إليه النعناع وزيت الزيتون، وبعدها يمكن تسخين الرغيف تحت النار وتناوله ساخناً.

ويسرد المؤرخ خير الدين الأسدي، في معرض حديثه عن أصل كلمة “ميّة فرنجي” بأن الموطن الأصلي للبندورة هي أميركا الجنوبية، ولم تكن معروفة كثيراً في بلاد الشام ومنطقة الشرق الأوسط (أول من أدخل بذورها للمنطقة كان القنصل البريطاني في حلب، جون باركر نحو عام 1840 ميلادي، ومن حلب انتشرت زراعتها في تركيا وبلاد الشام ومصر، وكالعادة في تسمية أي شخص يأتي من الغرب سموا الخضراوات الغربية عن البلد بـ(الفرنجي)”.

يحافظ السوريون على إنفاق ما يملكون من مدخرات في ظل الغلاء المعيشي الذي يعيشونه لإنتاج المؤن الغذائية، فإضافة لعصير البندورة، هناك مؤن للخضراوات الأخرى، منها على سبيل المثال، وليس الحصر “الملوخية والبامية والبازلاء والفول الأخضر واليابس والذرة والباذنجان المقدد وصناعة دبس الفليفلة” وغيرها.