لكل السوريين

من تراث أهل الجزيرة الفراتية “الحنة”

محمد عزو

في المعجم الجامع الوسيط (حنّا) “بفتح أوله” و”تشديد حرف النون” و”فتح همزة الألف الطويلة”، بقولنا “حنأ” المكان: أي أخضر  “بتشديد حرف الراء” والتف نبته، وأيضا “حنأ” لحيته أو رأسه أي خضبه بـ “الحناء”، والحناء(بكسر حرف الحاء وتشديد حرف النون وفتح الهمزة)، تلفظ وتكتب عند أهل الجزيرة بالتاء المربوطة (الحنة)، وهي شجر ورقه كورق الرمان وعيدانه كعيدان الرمان، زهره أبيض اللون كالعناقيد، يتخذ من ورقه خضاب لونه أحمر الواحدة منها حناءة.

ليلة الحنة في أزوار المدن الجزرية ونواحيها طقس يتم في الغالب قبل ليلة الدخلة أو “الدفعة” كما يسمونها أهل “الجزيرة” بيومين، وغالبا يكون اليوم يوم الاثنين من الأسبوع، وطقس الزواج هذا في الثقافات السورية المختلفة، يعتبر من الطقوس القديمة، ومع ذلك ما زالت ليلة “الحنة” تستحوذ على مكانة متقدمة بين أكثر الطقوس في الثقافة السورية، خصوصا بالنسبة للعروس وقومها.

“الحنة” طقس مازال يمارس بكثرة عند أهل الجزيرة من عرب وكرد والمكونات الجزرية الأخرى، والسؤال من أين أخذ الشعوب ثقافة “الحنة”؟ وهل هذا الطقس يختلف من حضارة لأخرى؟.

لو سبرنا أعماق التاريخ لبان لنا أن “الحنة” هي عبارة عن نبات قديم كان ينمو في “مصر”، وهذا النبات كان يستخدم كلون في الرسومات الفرعونية، ولهذا اللون ميزة كبيرة كونه، كان يتمتع بقدرة على الثبات مع مجريات الزمن، وحسب الحوليات المصرية فإن دراسات التراث الشعبي المصري أثبتت أن “الحنة” توجد في كتابات أهل “مصر” القدماء، حيث أنهم استخدموا “الحنة” في الأظافر وصبغة الشعر، وأبانت الكشوفات الأثرية المصرية وجود “الحنة” في عدد من “المومياء”، وعلى ما يبدو أن المصريين قد راق لهم لون “الحنة”، فقاموا بالحفاظ عليها واستخدموها للزينة، قاصدين من وراء ذلك طرد الشر كأسلوب من التحصن من العين.

هناك أسطورة مصرية قديمة  اسمها “إيزيس وأوزوريس”، تقول هذه الأسطورة، أنه حين قتل”ست” أخوه “أوزوريس”، قامت زوجته “إيزيس” بجمع أشلائه وغطست يداها بدمائه وصبغت باللون الأحمر، فأعتبر قدماء “مصر” هذا اللون كرمز وفاء كل زوجة لزوجها، ومذ ذلك الحين اعتمدت النساء في  صبغ يديهن بـ “الحنة”.

ولـ “الحنة” فوائد طبية كثيرة، فإذا خلطت مع مادة “الصبر”، يقول أهل الجزيرة تستعمل كعلاج لـ “لساني” و”الساني” عند أهل “الجزيرة” هو الحرارة الخفيفة، التي تصيب أو تركب الإنسان نتيجة لآلام السهر والجفاء كما يقولون، كما تستعمل “الحنة” خضابا للأيدي.

العرس الجزري في الريف والمدينة تتشابه وعند المكونات المتباينة طقوسه بشكل متقارب جدا. وتقام له حفلات تتباين من منطقة لأحرى حسب العادات والتقاليد ذات النمط الموحد في جميع أنحاء المحافظة، ويعتبر طقس “الحنة” من أجمل ليالي  العروس والعريس.

كان توقيت “حنة” العروس في “الجزيرة” يتم قبل يومين من الزفة، وجرت العادة أن يكون يوم الاثنين هو يوم “الحنة”، والزفة تكون يوم الخميس وقد يختلف الأمر عند بعض المكونات الجزرية الأخرى، فإن كانت العروس من نفس الحي أو نفس القرية، يتهيأ أهل العريس عصر ذلك اليوم شباب وبنات من الأقرباء والأصدقاء وأهل القرية، مشكلين تجمع كبير يتقدم الجمع حاملي الدفوف والشاعر عازف الزمارة والطبل أو المجوز، ضمن مسيرة احتفالية مشيا على الأقدام من بيت العريس إلى بيت العروس يتخلل الموكب الرقص والغناء بكل ألوانه، ومن ناحية أخرى يتكفل أهل العريس بكافة مصاريف حفل الحنة، وبعد وصول موكب الحفل إلى بيت العروس سواء كان مشيا على الأقدام أو بواسطة السيارات، تكون العروس بكامل زينتها، حيث تخضب بها يد العروس من قبل الحنانة، وهي المرأة التي تقوم بعجن الحنة، وتجهيز صينية الحنة، وتحنية العروس، وعند البعض تقوم أخوات العريس بعجن الحنة بالماء وتتركها كي تختمر، ثم توضع في صينية ويقمن الفتيات بتخضيب أيدي الصبايا وهن يصيحن(دوس دوس واليعادينا والله عليه)، وكلمة دوس كلمة سريانية تعني دائم أي يتخمنوا السعادة الدائمة للعروسين.

وطبعا ليلة الحنة في زور المدن الجزرية تتسم بالبساطة، ولا تخلو من التسلية والمرح والضحكات وضرب الدفوف وكذلك ضرب الرصاص، وختامها إعطاء العروس بعض النصائح الخاصة بليلة الزفاف، من قبل والدتها أو خالاتها أو عماتها. وفي المدن الجزرية وخاصة القامشلي يختلف الأمر بعض الشيء.