لكل السوريين

مواطنون… سورية غير صالحة للسكن!

حماة/ جمانة خالد 

من مسكنها الواقع في إحدى عشوائيات حماة، تنطلق أم هدى كل صباح لتنظيف ما تيسر لها من بيوت؛ إذ هذا هو السبيل الوحيد لـ”تأمين متطلبات الحياة الأساسية لابنتيّ”، كما قالت، معبرة في الوقت ذاته عن خشيتها من أن يصبح عملها هذا “الذي يستغرق جل وقتي غير كاف لتوفير تلك الأساسيات بعد ارتفاع أسعار الخبز والمازوت” مجدداً.

فمنذ تموز الماضي، أعلنت حكومة دمشق رفع سعر الخبز بنسبة مئة بالمئة، بحيث أصبح سعر الربطة الواحدة (ثمانية أرغفة، بوزن 1,100 غرام) 200 ليرة سورية بدلاً من 100 ليرة، فيما تم رفع سعر المازوت بأكثر من مئة بالمئة، بتوحيد سعره عند 500 ليرة لليتر الواحد للقطاعات العامة والخاصة كافة، بما فيها المؤسسة السورية للمخابز ومخابز القطاع الخاص (وباستثناء المازوت المخصص للقطاع الصناعي). وقد جاء الرفع الخاص بالمادتين بعد أيام فقط من رفع أسعار السكر والأرز (من 600 إلى 1,000 ليرة للكيلو) والبنزين (أوكتان 95 من 2,500 ليرة إلى 3,000 ليرة لليتر).

كيف يعيش السوريون؟

تجني أم هدى -المعيلة الوحيدة لابنتيها هدى (عشر سنوات) ومريم (سبع سنوات) منذ طلاقها- ما يقارب 135 ألف ليرة سورية من عملها في تنظيف البيوت. كما تحصل على معونة غذائية شهرية غير محددة القيمة من جمعية خيرية.

في المقابل، تدفع مبلغ 70 ألف ليرة إيجاراً لبيتها، إضافة إلى نحو ثلاثة آلاف ليرة فواتير مياه وكهرباء، و 30 ألف ليرة كل شهرين لشراء أسطوانة غاز. وتقسم المبلغ المتبقي من دخلها، والمقدر في أحسن الحالات بـ62 ألف ليرة على مستلزمات أسرتها اليومية ومصاريف المدرسة لطفلتيها وأجور المواصلات.

ورغم هذا الدخل المتواضع قياساً إلى غلاء الأسعار وانخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار، فقد اعتادت “تدبير حاجتي”، كما قالت، لكنها اليوم قلقة من عجزها عن ذلك بعد ارتفاع الأسعار، خاصة أن قرارات زيادة الأجور لا ينطبق عليها كونها ليست موظفة حكومية.

“غير صالحة للحياة”

صراع التكيف مع غلاء المعيشة المستمر لم يعد يقتصر على ذوي الدخل المحدود أو المتدني، بل امتد أيضاً إلى كثير من التجار وأصحاب الأعمال الحرة. فإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي يحتاجها التاجر لإعالة أسرته، فإن “ارتفاع تكلفة الجمارك على البضائع الأولية ومدخلات الإنتاج، إلى جانب ارتفاع كلف الطاقة المتأتي من رفع أسعار المازوت”، كما قال محمد عبد الحق، تاجر الأجهزة المنزلية بحماة، باتا يحولان دون قدرة التجار كثيرين على الاستمرار في السوق، وبالنتيجة فقدانهم مصدر رزقهم.

فمثلاً، “يبلغ سعر الغسالة في سوريا 800 ألف ليرة”، كما أوضح عبد الحق، فيما “متوسط الدخل السنوي للموظف الحكومي لا يتجاوز 700 ألف ليرة”.

المعاناة ذاتها يعرفها أبو محمود الذي يعمل في بيع الألبسة في مدينة حمص. إذ يعاني، خسائر متراكمة جراء “توقف حركة البيع والشراء، وإحجام الناس عن شراء الملابس باعتبارها باتت من كماليات حياة المواطن السوري”، تضاف إلى ذلك “ملاحقة مديرية التموين لنا كتجار وأصحاب محلات لمخالفتنا بمبالغ قد تصل إلى 300 ألف ليرة، عدا عن احتمالية الحبس، بذريعة مراقبة التزامنا بالأسعار”، متسائلاً أبو محمود: ” كيف ترفع الحكومة الأسعار ورسوم الجمارك علينا وتمنعنا من تعديل أسعارنا تباعاً حتى نوقف خساراتنا؟”.

كذلك، عبر أبو محمود عن قلقه من شح مادتي المازوت والغاز، وبالتالي ارتفاع أسعارها بشكل أكبر من المعلن، خصوصاً عند اقتراب الخروج من فصل الشتاء، إذ “كنت أحصل سابقاً على اسطوانة غاز كل شهرين، ثم كل 75 يوماً، وها أنا لم أحصل على اسطوانة منذ أكثر من 75 يوماً”، بحسب قوله. أما شراؤها من السوق السوداء بسعر 75 ألف ليرة (مقارنة بسعر 4,200 ليرة المحدد من الحكومة) فهو خارج قدرته، كما قال.

هكذا، فإن الوضع المعيشي في سوريا يتجه “نحو الأسوأ” أو “من الهاوية إلى هاوية أعمق”، برأي سكان. إذ “سيعتاد السوريون من الآن فصاعداً على الارتفاع الأسبوعي أو اليومي للأسعار، مقابل انخفاض القوة الشرائية وشح المواد، إن لم يكن انقطاعها. ولذا قد تخطط الحكومة لطباعة ورقة نقدية من فئة 10 آلاف ليرة”.

وبالنتيجة فإن “البلد أصبحت غير قابلة للعيش والحياة، بحيث أصبح الناس يبيعون بيوتهم وأراضيهم استعداداً لمغادرة سوريا”، كما يختصر عبد الحق واقع حياة السوريين المحاصرين بين ارتفاع كلف المعيشة وانخفاض الدخل.