لكل السوريين

انسحاب الحريري من المشهد السياسي.. خاتمة لمرحلة أم بداية لغيرها

تقرير/ لطفي توفيق  

في الوقت الذي يمر فيه لبنان بتعقيدات سياسية واقتصادية غير مسبوقة، قرر سعد الحريري “تعليق” عمله السياسي، وعدم الترشح للانتخابات النيابية، أو ترشح أي شخص من تيار المستقبل الذي يتزعمه.

واعتبر أنه “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”.

ويرى متابعون للشأن اللبناني أن قرار الحريري قد يمهد لمقاطعة سنيّة للانتخابات النيابية المقبلة، مما يؤكد احتمال تأجيلها الذي يرجحه معظم المراقبين.

وقد يشكل غيابه عن المشهد السياسي فراغاً في الأوساط السياسية السنية في ظل عدم وجود شخصيات جاهزة وقادرة على تعبئة هذا الفراغ، مما يرجح أن تلجأ قوى سياسية رئيسية في البلاد الى المطالبة بتأجيل الانتخابات.

واعتبر مراقبون لبنانيون أن قرار الحريري اعتزال السياسة أقرب إلى المناورة بهدف دفع الشارع السني إلى الالتفاف حوله، ومطالبته بالتراجع عن قراره، في ظل غياب بديل مهيأ لخلافته، وعدم تحمس رؤساء حكومات سابقين لملء الفراغ الذي سيتركه بالتزامن مع انسداد أفق الحلول في المدى المنظور.

قبل إعلان القرار

حسب مصادر من تيار المستقبل، قدّم الحريري عرضاً للمشهد السياسي بصورة عامة، والآثار الكارثية التي حلت بالوضع الاقتصادي جراء السياسات التي اتبعها العهد الحالي، وصولاً الى الاستحقاق الانتخابي.

ولفتت المصادر، الى أن الحريري صارح الحاضرين في الاجتماع بأن تيار المستقبل” لن يقدّم أي مرشح لهذه الانتخابات، ولن يتبنى أي مرشح، وإذا أراد أحد أعضاء كتلته البرلمانية، أو من ينتمون إلى تيار المستقبل، أن يترشحوا للانتخابات، فعلى مسؤوليّتهم وباسمهم الشخصي، وليس باسم التيار.

وكشفت مصادر من التيار عن عدة اتصالات جرت مع الحريري لثنيه عن قراره، لأن غيابه عن المسرح الانتخابي، قد يترتب عليه خلل في التوازن الداخلي، وفراغ قد يستغل من قبل بعض الجهات والتيارات المتطرفة والمتشددة.

كما تحدثت مصادر لبنانية عن اتصالات مكثفة مازالت تجري لثني الحريري عن قراره، على اعتبار أن خطوة كهذه قد تفتح الباب على احتمالات غير محمودة.

ردود أفعال

أثار قرار الحريري ردود أفعال واسعة على المستوى السياسي، حيث أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري على اهمية استمرار الحريري وتياره السياسي في موقعهما التمثيلي، واعتبر أي انكفاء سواء من الحريري أو من تيار المستقبل عن المشاركة في الانتخابات “قد تكون له تداعيات على خريطة البرلمان المقبل”.

واعتبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قرار الحريري صفحة حزينة للوطن وله شخصيا.

بينما اعتبر رئيس الوزراء اللبناني الأسبق تمام سلام، أن موقف الحريري يعكس الخلل العميق في التوازنات السياسية والوطنية المفقودة للحفاظ على وحدة الوطن.

ومن جانبه، قال نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إيلي الفرزلي، إن المعادلة اللبنانية أُصيبت بنكسة كبيرة جراء قرار الحريري تعليق عمله السياسي.

وأكد رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، أن الحريري وجه من وجوه الاعتدال في لبنان، وأكد أن غيابه عن الساحة السياسية سيخلق فرصاً للذين سيعمدون إلى المزايدات التي تعزز التطرف.

وعلق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، قائلاً “إن الوطن تيتم اليوم”.

خاتمة أم بداية

في حيثيات قراره، أكد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على أنه دفع أثمان خياراته على الساحة اللبنانية والعربية والدولية، وتسوياته العديدة على الصعيد اللبناني، وأشار بشكل غير مباشر إلى أنه شكل صمام أمان في احتمال وقوع صراعات طائفية في لبنان.

وأحدث تعليقه لعمله السياسي اهتزازاً كبيراً في المشهد اللبناني، ومن المتوقع أن يعيد الحلفاء والخصوم ترتيب أوراقهم خلال فترة قصيرة قبل الانتخابات.

وقد يشكل اعتكاف الزعيم الأول للطائفة السنّية، وصاحب أكبر تكتل برلماني لها، ارتدادات خطيرة على الساحة السياسية والطائفية والإقليمية، في بلد يحكمه منطق التوازنات.

وقد يعطي غياب تيار المستقبل عن الانتخابات القادمة فرصة للزعامات المناطقية والتيارات الإسلامية المتشددة، لتقدم نفسها للناخبين كبديل عن التيار، لأن مقاطعة الانتخابات ليست واردة، ونتائجها قد تكون كارثية على المشهد السياسي في لبنان.

ويستبعد المتابعون للشأن اللبناني أن يكون قرار الحريري نهاية لحياته السياسية، ويرون أنه قد يؤسس لمرحلة جديدة لم تتضح معالمها بعد، وقد تفتح أمامه الأبواب للبحث عن علاقات إقليمية جديدة بديلة عن تلك التي لم يعد يعوّل عليها.