لكل السوريين

الدواوين والمضافات.. إرث قديم يحافظ على جوهره الثقافي

الرقة/ أحمد سلامة

تعتبر المضافات من الإرث القديم بين لقبائل المنطقة, وهي ظاهرة مستمرة إلى يومنا هذا لما لها من أهمية لدى أفراد العشيرة, إذ أنها تجمع أفراد القبيلة في السراء والضراء والقضايا التي تشغل أمور العشيرة,  فيتم تدارسها في المضافة بوجود ووجهاء عن أبناء العشيرة وطرح همومهم ومشاكلهم الكبيرة منها والصغيرة.

وللمضافات العشائرية أهمية كبيرة في المجتمعات الشرقية، لما لها من دور في حل القضايا والخلافات بين المكونات المجتمعية، ودورها في السلم والأمن الأهلي، ويطلق عليها عدة تسميات، المنزول والأوضى والديوان، بحسب ثقافة المنطقة التي توجد فيها.

ولايزال العم أبو ميزر، من الرقة، شمالي سوريا يحافظ على هذا الإرث القديم, فقد تم بناء مضافة بني شمر في مدينة الرقة، وذلك للوقوف على القضايا التي تهم أمر القبيلة, والسعي وراء جمع أبناءها ليتم تمكين أواصر المحبة والتسامح بين جميع مكونات القبيلة, وتعليم مكارم الأخلاق، والاحترام من خلال الجلسات والتجمع في المضافة، حسب ما يقول لصحيفتنا.

وأوضح أبو ميزر أن “تاريخ المضافات أو الدواوين يعود إلى زمن العصر الجاهلي متمثلة بدار الندوة، واستمرت في مختلف العصور لما لها من دور كبير ومؤثر في الواقع الاجتماعي، وبني شمر هي من القبائل القحطانية، وشمر هو لقب لجدهم الأول، وتعود إلى قبيلة طي، شمر بن قيس بن زهير بن سليمان بن كلاب بن ثعلبة الطائي”.

وتابع “نناقش في الدواوين العشائرية كافة الاوضاع الاجتماعية والإنسانية، والاحتكام من خلالها إلى “العارفة” الذي يبت في القرار العشائري بعد الشورى في المضافة، وتلتزم بقرار العارفة جميع أبناء القبائل، من خلال الاحترام والتقدير للعرف العشائري، الذي تظهر فيه من خلال التجاوب الأخلاقي لأبناء العشيرة”.

وفي حديثه عن الفرق بين الدخيل والقصير قال: “قد يلجأ بعض الأشخاص إلى المضافة، وذلك كونها تبقى مفتوحة الأبواب للدخيل والقصير والذي لا يوجد له مكان يبات فيه ليله، فالقصير هو الرجل الذي يأتي إلى ديوان أو مضافة شيخ القبيلة وليس عليه دم أو ثأر، فهو ليس عليه أي نوع من القضايا من دية أو مشاكل أخرى تتعلق بالشرف والأخلاق”.

الدخيل هو من كان عليه دم أو ثار ويلاحق من بعض الأشخاص الذين لهم عليه تلك الدية أو الثأر، فهو يدخل ويحتمي في بيت شيخ القبيلة، ويبقى في المضافة أو الديوان حتى يبت يحتكم هو ومن يخاصمه إلى “العارفة”، وبعده يبت بالحكم مع قبول الطرفين المتخاصمين بنتيجة الحكم الشرعي بحسب العادات والتقاليد.

ومن بين الشعر الي روى عن الشخص القصير هذه الأبيات التي تغنى بها صاحبها وهو يدافع عمن أستجار به:

تقلعوا يأهل الوجوه المكاريه           يأهل الردى يا عاشقين الفشيلة

مادام يغليني قصيري وانا اغليه         أحلف لكم بالله ما رضى رحيله

يبقى عزيز بكل وقت واداريه            جاري حشيم وغلطتي ما تجيله

هو ولد جاري ولأني مجازيه            إلا بعفو وتركه في سبيله

وهناك عادات وتقاليد لنظام الدواوين والمضافات كثيرة منها طريقة الجلوس في المضافة، فلأيمكن للشخص أن يضطجع فيها أو يتكأ، بل يجب عليه أن تكون جلسته تعبر عن خلقه واحترامه لمن هم أكبر سنن في المضافة أو الديوان، وأن ينظر في وجه الرجل المتكلم بشؤون القبيلة أو العشيرة، وأيضا طريقة تقديم القهوة وهز الفنجان بعد الانتهاء.

والجدير بالكر أن الدواوين والمضافات لها مكانة عالية عند القبائل العربية، يجتمع بها كبار القوم وصغارهم للاستماع إلى نصائح والحلول التي يقوم بها شيخ القبيلة، ويتسم الشيخ بالنضج والذكاء الحاد والمعرفة، والإلمام بشتى القضايا التي تهم أفراد القبيلة، وتثبت أواصر المحبة والألفة من خلال القيم التي تتدارس فيها من الاحترام والأصالة، والتمسك بالعادات القديمة التي نشأ عليه العربي الأصيل، ولدورها في نشر اللحمة والاندماج العشائري بين جميع فئات الشعب.