لكل السوريين

ماذا نأكل؟

بدأت القصة منذ بداية التحرير من الظلام الدامس، وكانت غاية الجميع ولا مهرب من تحقيقها وهي تأمين رغيف الخبز للأهالي، والذي يعتبر حق مصان لهم كحقهم بالحياة وحقهم بالحرية، وكانت الإدارة تسعى لاهثة خلف تحقيق هذه الغاية.

ولكن مع كل مساعيها، كنا نرى مطبات، ففي بداية التحرير كان التوقيت صيفي وهذا يعني بأن الأراضي المزروعة بعضها حرق نتيجة للحرب وبعضها الأخر لم يتم حصاده، وكان هنالك نقص في كمية الحبوب المتوفرة لتقديم رغيف الخبز قليلة أمام أعداد هائلة من الأهالي. وكانت العائلات تبحث فقط عن تأمين رغيف الخبز دون النظر إلى الجودة.

ومع تنامي الوضع الخدمي والإداري، وبعد عام خير ماطر أصبحت طلبات الأهالي تتصاعد نحو تأمين الكمية المطلوبة، وكذلك تحسين الجودة، وهذين الأمرين كان هنالك معوق لهما، حيث أن المعوق الأول هو توفير الكمية المطلوبة والذي كان يحول دون تحقيقه سرقة الدقيق من قبل المطاحن أو الأفران بسبب انخفاض سعر الطحين، كون السعر مدعوم للطحين. وكذلك هامش الربح منخفض مقابل رأس المال، لذلك كان يلجأ أغلب من يقومون بالعملية الإنتاجية لسرقة الطحين.

وأما بالنسبة للمعوق الثاني، وهو الجودة والتي كان يحول دون تحقيقها عدة أمور، ومنها يجب أن يكون قد مر على القمح قرابة عام في التخزين، وكذلك لابد من أن يمر على القمح المطحون والذي تم إنتاج الطحين منه فترة لا تقل عن أسبوع، ولابد من استخدام خميرة بمعيار مناسب.

ولكن هذه الأمور لم تكون محققة كون لا يوجد مطاحن قادرة على انتاج كميات من الطحين تفوق الحاجة اليومية، وبالتالي كما هو متعارف عليه يدعى الطحين بالساخن، وبالتالي كفاءة الجودة لتصنيع هكذا طحين تكون متدنية.

وقد قدمت الإدارات عدة خطط عمل لتلافي هذه الأزمة، ومنها المناديب، وكذلك زيادة الطاقة الإنتاجية لتحضير الطحين، ولكن ما زلنا إلى هذه اللحظة نعاني من نقص كميات الخبز رغم أنها توزع عبر المناديب.

وكذلك لا زلنا لا نعلم ماذا نأكل، هل نأكل خبز مكون من دقيق الحنطة أم نأكل مزيج من دقيق ونخالة القمح، أم نأكل مزيج من الدقيق والرمل. وأصبحنا لا نستغرب مواضيع تهشم الأسنان جراء أكل الخبز، وكذلك زيادة نسبة الرمال في المثانة. ولعل بعضنا أصبح في كليته مقالع من البحص.

والسؤال هنا متى سيقوم كل منا بدوره دون ظلم أهالينا، ومتى سيقوم صاحب المطحنة بغسيل القمح جيدا ونخله بحيث يأتينا دقيق خالي من النخالة والرمال، ومتى سيعمل الفران بضمير بحيث يضع الكمية اللازمة من الخميرة، ويهتم بمعدات فرنه وينتج رغيف خبر محمر الوجهين شهي قابل للأكل، ومتى سنجد المعنيين يخلصون في عملهم ويديرون هذه العملية بالوجه الأمثل والتي تليق بالناس كبشر، ولا زلنا نتسأل ماذا نأكل إلى أن يفرج الله علينا.