لكل السوريين

الإنسان الرمادي

مخمد عزو

اللون الرمادي ينتج من مزج لون رئيس كالأحمر بمقابله وهو الأخضر على الدائرة اللونية بقيم متساوية بالضرورة لتنتج الرمادي، أي أنه ليس بالضرورة أن ينتج الرمادي من اختلاط الأبيض بالأسود. والرمادي لون يعكس الكآبة والركود وقلة النشاط والحيلة وكذلك عدم التمايز أو الرغبة في الظهور فهو رمادي.

في الحياة كما دائرة الألوان هناك أشخاص بألوان الطيف، وهناك أحزاب يسارية وأخرى يمينية، هناك حمائم وصقور، ولكن هناك للأسف ظلالاً رمادية لا تنتمي إلى أي من ألوان الطيف، إنه الإنسان الرمادي، في الماضي قال المناضل الأمريكي (مارتن لوثر كنج): “أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة”.

والإنسان الرمادي لا ينتمي بالضرورة لإحدى الدول المشرقية ولا يهم أن تقع دولته شمال أم جنوب خط الاستواء فهو سواء لديه، إنسان بلا رأي، بلا شخصية، بلا فكر، لا يتابع نشرات الأخبار وإن فعل بحكم العادة أو المحيط فهو بلا رأي في الأحداث، لا يتحدث في السياسة فالسياسة رجس من عمل الشيطان، لا يشكو من ارتفاع الأسعار، لا يشكو من التضخم أو البطالة. اجتماعيّاً، لا تعنيه الحوادث أو القضايا المجتمعية، يتآكله الخوف من رموز النظام فهو لا تعنيه ثورات حمراء أو خضراء، لا يؤمن بأن سنة الحياة التغيير، ليس له موقف واضح فهو رمادي الموقف والرأي. رمادي فرد لا يملك استقلالًا اقتصاديّاً فهو إما موظف حكومي أو يتلقى مساعدات أو مزايا أو ريعاً من حكومته، فهو ممتن لحكومته يحترم قراراتها.

لا ننكر أن الرمادي إن عمل فهو موظف مُجد في عمله، يعمل ويعمل عملاً إضافيّاً فيما تطارده فواتيره وأقساط المدارس وأقساط البنوك، يظل يدور حول الساقية لا ينتهي من دورته حتى يبدأ، ومع التكرار تتلاشى البدايات والنهايات. إنه الإنسان الرمادي صنيعة النظم الديكتاتورية.

تتقاطع ثقافة الرمادي مع ثقافة القطيع، فلا صوت يعلو على صوت النظام أو حزبه، والحكومة تقود الشعب فيعتاد على لون الحزب والرأي الواحد، فالشعب يعيش على فتات الحكومة وفي كنف الحكومة، يمجد القائد، والحزب الحاكم مردداً شعاراته، فتتوارى الفردية التي هي أهم أسس ثقافة حقوق الإنسان. فهذه الثقافة لا يمكن أن تفرز إلا السلبية مرادفة الرمادي.

فالإيجابية موقف وفعل فردي للإنسان بوصفه فرداً لا عضواً من أعضاء ثقافة الرمادي، هي أعظم هدية ينعم بها الطغاة بعد سنوات من التدجين، فحتى أصحاب الألوان الحمراء أو الخضراء أو الصفراء في ظل هذه الثقافة ينتقلون طوعاً للرمادي حتى وإن طرح النظام الاستفتاءات الشعبية أو الانتخابات التشريعية أو حتى استفتاءات تعديل الدستور، فالسلبية الهائلة للمثقفين رد فعل طبيعي ومتوقع في ظل سياسة الأمر الواقع.

لماذا هذا الإنسان رمادي؟ عندما تتغنى النظم السياسية بدولة القانون وسيادته والفصل بين السلطات بينما تتدخل السلطة التنفيذية في دقائق القانون منذ ولادته كمشروع قانون وحتى تطبيقه في ردهات المحاكم، فيما تتغير بعض النظم والقوانين وفقاً للأمزجة، وعندما تغيب العدالة الاجتماعية وتسود ثقافة الاستبداد وتحتكر مؤسسات التعليم المعرفة بينما تتولى أجهزة الضبط عملية التدجين لألوان الشعب الساخنة فليس مستغرباً أن تتفشى السلبية فتمتزج ألوان الناس في النهاية مكونة اللون الرمادي.

والإنسان الرمادي لا يجرؤ على لعن الظلام فضلاً عن الحديث عن معتقلي الرأي ببلده أو ببلد مجاور كما هو الحال في بلادنا المشرقية، فالإنسان الرمادي هو حبيب الاستبداد الدائم.

بتصرف

(عائشة المريعانشة)