لكل السوريين

أحداث قامشلو

صالح مسلم

لاشك أن أحداث قامشلو لم تأت من فراغ ولم تكن بلا سبب وبلا مقدمات، فمع بداية الثورة السورية كان لحارة طي نكهتها الخاصة نظراً لوجود بعض الأشخاص الذين ارتبطت مصالحهم الشخصية بالنظام وإصرارهم على أن يكونوا ضد أي توافق أو كلمة موحدة، أي من نوع خالف تعرف. مما خلق أجواء مناسبة للفلتان الأمني وانتشار بؤر الفساد وغير الشرعية. هذا الوضع غير المنضبط فتح المجال أما تدخلات عديدة بعضها سياسي مثل تجنيد الشباب كمرتزقة لأغراض سياسية وبعضها لإفساد المجتمع كشبكات التهريب والكسب غير المشروع والسوق السوداء لكل شيء. هذا الفلتان الأمني أدى إلى صدامات سابقة بين قوات الأمن الداخلي وتلك العصابات ولكن كان يتم نهاية لكل حدث بأقل الخسائر ولا يعطى المجال لتفاقمها، ولا يسمح للأحداث بالخروج عن السيطرة. إلى أن تمادت تلك العصابات في محاولة لكسب صفة رسمية بصفة “دفاع وطني” في حارة طي التي هي أحد أحياء قامشلو.

عندما نقول الدفاع الوطني فاول ما يخطر على البال هي تلك الميليشيا التي شكلها النظام للخروج على القانون ولتكون أداة لقمع الشعب ولوضع الحواجز على الطرقات والمنافذ بهدف تشليح الشعب والسلبطة، وتلك هي مهمتهم الرئيسية أينما كانوا ، أما في قامشلو فقد كانت لديهم مهمة إضافية أخرى وهي إثارة الفتنة وتحريض المكونات على بعضها البعض.

هناك بعض الثوابت التي لايمكن الإنحياز عنها وبات من الضروري التذكير بها، وهي أن الدولة تصبح دولة بمؤسساتها ومصداقيتها مع مواطنيها من كافة مكونات المجتمع. حزب البعث قد يكون شوفينياَ عنصرياَ وكذلك أي حزب كردي ربما يكون شوفينياَ أو عنصرياَ، ولكن الإدارة الذاتية مثلها مثل إدارة الدولة تدعي أنها تمثل الجميع ولهذا لا يمكنها أن تكون طرفاً، بل يجب عليها التصدي للفتنة التي تريدها أطراف كثيرة. فقط لأن ثقافتها لم تتضمن العيش المشترك وأخوة الشعوب، والديموقراطية بين المكونات. أن تقوم أجهزة الدولة بتحريض ميليشيا الدفاع الوطني على أبناء الشعب الكردي فهذا غير مقبول ويقوض مصداقية الدولة ويجعلها دولة ميليشيا بدلاً من دولة مؤسسات وقوانين. فالدولة تصبح دولة بمقدار إحترامها لقوانينها ودستورها، وتصبح مارقة بقدر ما تبتعد عن القانون والدستور.

السنوات العشر العجاف التي مرت على الشعب السوري كانت فيها دروس وعبر كثيرة لمن أراد التعلم منها ووفرت فرصاً مواتية كثيرة للمتسلقين والإنتهازيين وضعاف النفوس، أو على الأصح أصبحت محكاً لكثير من الناس. وبؤرة مثل حارة طي مهيئة لأن تكون مركزاً لتوافر عوامل كثيرة منها تحكم ميليشيا الدفاع الوطني، ووجود شخصيات قبلية مدعومة من النظام، ووحود تجار السوق السوداء إبتداء من الخبز والطحين وصولاً إلى كافة المواد التموينية، فكل شيء مفقود في سوق قامشلو موجود في حارة طي لدى متزعمي الدفاع الوطني .

المتحدثون باسم القبائل والعشائر حديث آخر ذو شجون، فما اعتدنا عليه عبر التاريخ وورثناه من آبائنا وأجدادنا هو أن القبائل والعشائر تنظيمات مجتمعية بالوراثة والمكانة الاجتماعية والشيخ أو ألمتحدث باسم القبيلة يحظى بإحترام وتقدير جمع أعضاء القبيلة أو العشيرة، ومن جانبه الشيخ أو المتحدث باسم العشيرة مكلف بإحترام مشاعر وتوجهات أفراد العشيرة وإلا فقد طاعة وإحترام أفراد العشيرة.

وكانت محنة سوريا محكاً آخر لتلك الببنية الاجتماعية الأصيلة أيضاً ، فالتيارات السياسية المختلفة التي لم تبذل جهداً لإقناع الناس بتوجهاتها السياسية لجأت إلى الأسهل، وهي أن يستميل الشيخ أو الوجيه إلى صفوفه ويعتبر جميع التابعين أنصاراً لسياساته، وبالنتيجة وجدنا مؤتمرات عشائر وقبائل سورية في أوروبا وتركيا ودمشق، بل وجدنا شخصيات تنتقل من مؤتمر إلى آخر ومن فندق إلى آخر باسم القبيلة أو العشيرة. أما بشأن حارة طي وقبيلة طي ، فهي قبيلة عريقة غبر التاريخ لها مواقفها الأصيلة لا يحق لأحد المزاودة عليها، لديها شيوخها المحترمون المطاعون من جانب بني طي وغيرهم من العشائر والقبائل، ولكن بعض أعضاء القبيلة الذين أغرتهم عروض النظام فجعلوا من أنفسهم مطيه له من ميليشياته ليستفيدوا مادياً ونفوذاً، وقد وجدنا عشرات الرسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي تدعوا إلى التحريض ضد الكرد ونصرة قبيلىة طي التي لا علم لها بكل تلك الدسائس.

انتهت أزمة حارة طي وانتهت ميليشيات الدفاع الوطني في الحي، ولكن لا زالت هناك كثير من العبر والدروس التي يجب استتباطها حتى لا ينزلق مجتمعنا إليه مرة أخرى.