لكل السوريين

الانتخابات السورية.. هل يبحث الأسد عن شرعية دولية أم عن شرعية شعبية؟!

اياد الخطيب

تعود بي الذاكرة لعام 2000، وتحديداً تاريخ 10/6/2000 حين نعى النظام السوري “حافظ الأسد” فيما بدا للكثيرين حينها نافذة للخلاص من الحكم الدكتاتوري، وإيذاناً بعهد جديد لطالما حلم به السويون .

حتى تلك الأحلام كتب لها نهاية سريعة بجلسة استثنائية لمجلس الشعب آن ذاك تم خلالها تغيير الدستور بخمسة دقائق، ليخرج علينا دستور جديد على مقاس نجل حافظ الأسد ” بشار”، وهكذا ظهرت سوريا، وكأنَّها امبراطورية أو مملكة تحكمها سلالة آل الأسد .

ليتحول الحلم إلى كابوس استمر 21عاماً ويصبح الاستحقاق الانتخابي كلَّ سبع سنوات موعداً جديداً لتجديد الكابوس الجاثم على صدر السوريين، ورغم الحراك الثوري الذي بدأ منذ عشرة أعوام، وكلّ الجرائم التي حصلت، وكلّ الدمار والخراب الذي لحق بسوريا ونزوح الملايين، وتدهور الوضع المعيشي إلى الأسوأ عالمياً في حقبة بشار الأسد، لم يزل موعد تجديد الكابوس قائماً.

حيث أعلن رئيس مجلس الشعب حمودة صباغ خلال افتتاح دورة برلمانية استثنائية موعد الانتخابات الرئاسية في الـ26 من أيار كما أعلن فتح باب الترشح لمدة عشرة أيام.

يستند النظام  في هذه الانتخابات إلى الدستور الذي أقره عام 2012، والذي يعتبره الكثير من السوريين  “غير شرعي”، بسبب الظروف التي أُقرَّ بها، والتي لا تتناسب مع الوضع السوري، وخاصة إجراءات الاستفتاء عليه وطريقة وضعه وتفصيله بالقياس مع متطلبات رئاسة النظام الحالية.

طبعاً جميع الشروط الموضوعة في دستور 2012 تنطبق على شخص بشار الأسد، وفق منظور نظامه لا وفق منظور شعبه حيث يراه الكثير من السوريين مجرم حرب، وسفاح ويحمله الكثير مسؤولية الدمار، والخراب الذي لحق بالبلاد كيف لا وهناك مادة دستورية تقول “أنْ يكون المرشح غير محكوم بجرم شائن ولو ردَّ إليه اعتباره”

ومن المواد أيضاً ، أنْ يُنتخب رئيس الجمهورية من قبل الشعب مباشرة دون تحديد الأرض التي هو عليها، سواء كان في دول المهجر واللجوء، أو كان على الأراضي السورية، وهذا ما يفتح المجال أمام الكثير من التساؤلات عن الآلية التي ستتبع في هذه الانتخابات .

بالطبع النظام السوري، ومن خلفه حلفاؤه وفي مقدمتهم روسيا  مستعدون لكافة الاحتمالات ولم يدعوا شيئاً للصدفة .

إذ أكد الأسد خلال مقابلته مع قناة “روسيا اليوم”، في 11 من تشرين الثاني الماضي، على إجراء انتخابات 2021 بموعدها المحدد.

وقال، “بالتأكيد ستُجرى انتخابات عامة في العام 2021 في سوريا، وسيكون هناك عدد كبير من المرشحين”، وأنَّها “ستكون بشكل كامل، من الألف إلى الياء، تحت إشراف الدولة السورية”.

وهنا يتحدث بشار الأسد عن الدولة السورية التي كما يراها وفق مقاييسه  الشخصية ووفق احتياجاته لسدِّ رغباته في السلطة والنفوذ والحكم، وليس وفق  احتياجات الشعب، وهذا ما أريد الحديث عنه إذ نوَّه بشار مسبقاً خلال لقائه التلفزيوني أنَّه سيكون هناك عدد كبير من المرشحين ! وكأنَّ الأمر بيد النظام بالفعل، وهذا يذكرنا حين يتحدث مخرج سينمائي عن فلم  قام بتصوير، ومن باب التشويق يقوم بتسريب بعض الأحداث للمشاهدين .

وهنا يتبادر السؤال لمن يوجه بشار حديثه، وتسويقه الدعائي لهذه الانتخابات رغم قتامة المشهد السوري على الأرض، وعدم سيطرة النظام على كافة المناطق السورية، ودخول النظام بمفاوضات مع المعارضة من أجل إعادة صياغة الدستور ناهيك أنَّ هذه الانتخابات تصطدم فعلياً مع القرار 2254 إذ ينص على تأسيس هيئة حكم انتقالي، ووقف إطلاق نار مع مراقبة دولية له ويطلب من الأمم المتحدة أنْ تجمع بين الأطراف للدخول في مفاوضات رسمية ، حيث ستجرى بموجبها انتخابات حرة، ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة.

ولكن عملياً بدأ النظام، ومن خلفه الحليف الروسي بمحاولة تمييع الاستحقاقات الدولية ، عبر الدخول في استراتيجية المماطلة والتعطيل، وهو ما بدا واضحًا خلال جولات مفاوضات اللجان الدستورية، ويبدو أنَّ الروس بالفعل قد نجحوا بالالتفاف على هذه الاستحقاقات، وفي آخر تصريح لوزير الخارجية الروسي لافروف،  شبه  عملية التفاوض على العملية الدستورية بـ”الصراع العربي- الإسرائيلي”، قائلًا “إذا نظرنا إلى الصراع العربي- الإسرائيلي أو المسألة الفلسطينية التي بدأت منذ 2001 وحتى اللحظة لم تنتهِ، ولا أحد يتحدث عن عدم تطبيق قرارات مجلس الأمن حول الصراع”.

ويضاف أيضاً من ضمن شروط عمل اللجنة الدستورية التي أصرت عليها موسكو، عدم تقييد عملها بجدول زمني وتركه مفتوحًا.

أي أنَّ روسيا وحليفها الأسد يفتحان المجال أمام تعويم هذا النظام دولياً لسبع سنوات أخرى، كما جرى في انتخابات، 2014 وفتح المجال مجدداً أمام النظام لترتيب أوراقه الداخلية مستغلين بهذا هشاشة صفوف المعارضة، وعدم تقديمها أي مشروع فعلي ناهيك عن تفككها، وتحول الكثيرين في صفوفها إلى مرتزقة، وضعف المواقف الدولية، وعلى رأسها موقف الإدارة الامريكية التي تركت الباب موارباً أمام كلّ الاحتمالات، حقيقة الوضع السوري مقبل على منعطف خطير من شأنه إطالة الأزمة وتمييع القضية السورية محلياً ودولياً.