لكل السوريين

الملف النووي… إيران تلعب مع الوقت، فهل سيردعها الزعيم الجديد؟

في وقت يرى أوروبيون وآخرون أن وجهات النظر الأميركية الإيرانية متقاربة بشأن الملف النووي، يتطلع البيت الأبيض إلى عملية منسقة بدرجة كبيرة تعود فيها الولايات المتحدة وإيران إلى الامتثال في نفس الوقت لبنود الاتفاق، ولا يسمح لأي منهم بالانتصار على الآخر.

وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان في وقت سابق إن “الدبلوماسية مع إيران مستمرة، لكن ليست بطريقة مباشرة في الوقت الراهن، إذ هناك قنوات اتصال عن طريق الأوروبيين وآخرين تمكننا من أن نوضح للإيرانيين موقفنا، فيما يخصّ منهج الالتزام مقابل الامتثال للاتفاق وأن نستمع إلى موقفهم.

وكما اعلنت الإدارة الجديدة للرئيس الأميركي جو بايدن رفضها منح طهران محفزات أحادية الجانب لبدء المحادثات، لكنها أكدت على إمكانية أن يتخذ الجانبان خطوات تبادلية لاستئناف تنفيذ الاتفاق، وهو نهج تصفه واشنطن بأنه “الامتثال المتبادل”.

موقف إيراني متشدد حول سبل تسوية الملف النووي

ما انفكت إيران تخوض لعبة كسب الوقت بخصوص برنامجها النووي، فكما توقع المراقبون فإن عودة إدارة جو بايدن إلى الاتفاق يكتنفها الكثير من التحديات والتعقيدات، وقد بدأت تتجلى في تشديد طهران لموقفها من خلال تلغيم أيّ محاولة لتسوية هذا الملف باشتراطاتها، ما يعني أن آمال انفراج هذه الأزمة باتت شبه مستحيلة.

بدد الموقف الإيراني المتشدد حول سبل تسوية الملف النووي وربطه بذريعة إجراء الانتخابات الرئاسية بعد أسابيع، آمال إدارة الرئيس جو بايدن، والتي أعربت في عدة مناسبات أنها مستعدة للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع طهران، وإحياء الاتفاق الذي انسحبت منه إدارة سلفه دونالد ترامب، شريطة العودة إلى الامتثال لشروط الاتفاق.

وتريد إدارة بايدن العودة إلى الاتفاق، ويتطلع البيت الأبيض إلى عملية منسقة بدرجة كبيرة، تعود فيها الولايات المتحدة وإيران إلى الامتثال في نفس الوقت لبنود الاتفاق، ولا يسمح لأي منهما بالانتصار على الآخر. ولكن يبدو أن طهران التي ربما تبالغ في لعب دورها كما تفعل في الكثير من الأحيان، تعتقد أنها قادرة على تحقيق نتيجة أفضل في المستقبل القريب.

وفي ضوء التسويفات والمماطلة الإيرانية، تشكل انطباعٌ لدى دبلوماسيين ومسؤولين غربيين وخبراء بأن فرص إحراز واشنطن وطهران تقدما لإحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015 قبل الانتخابات الإيرانية في يونيو المقبل تضاءلت على نحو مقلق وأن الدبلوماسية ستظل متعثرة حتى وقت لاحق هذا العام.

وترى ميغان أوسيلفان النائب السابق لمستشار الأمن القومي الأميركي في العراق وأفغانستان خلال فترة ولاية باراك أوباما في تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ أن ما بدا بسيطا للغاية في الحملة الرئاسية لبايدن، تبين أنه، مثله مثل كل ما يتعلق بإيران، معقد للغاية.

ومع ذلك، ترجح أوسيلفان أن تؤدي الاتفاقية الحالية إلى طريق مسدود في أكتوبر 2023، في “يوم الانتقال”، حيث من المفترض أن يصادق البرلمان الإيراني على بروتوكول إضافي للسماح بتفتيش أكثر صرامة لمنشآته النووية. ومن المقرر أن يرفع الاتحاد الأوروبي كل العقوبات المتبقية، وعلى الكونغرس الأميركي أن يفعل الشيء نفسه بإجراء تشريعي، بدل تعليقها بأمر تنفيذي.

وحتى الآن فشل الطرفان في الاتفاق بشأن من سيتخذ الخطوة الأولى، فطهران ترى أنه يتعين على واشنطن رفع العقوبات التي فرضها ترامب عندما انسحب من الاتفاق في 2018، بينما تقول واشنطن إنه يتعين أولا على طهران استئناف الالتزام بالاتفاق الذي تنتهكه منذ 2019.

وتظهر أساليب إيران في التملص من ذلك بوضوح في تصريحات مسؤوليها، حيث قال وزير الخارجية محمد جواد ظريف إنه “إذا لم يتم إحراز تقدم في وقت قريب للعودة إلى الاتفاق فإن الدبلوماسية ستتوقف لأشهر بسبب الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر عقدها في الـ18 من يونيو” المقبل.

ورغم أن السياسة النووية الإيرانية يحددها في نهاية المطاف المرشد الأعلى علي خامنئي الذي لا يخوض الانتخابات، فإن معاناة الناخبين الاقتصادية قد تؤثر على نهج طهران عبر طريق انخفاض الإقبال على المشاركة في الانتخابات وهو ما يدعم من يرون أن المؤسسة يتعين عليها أن تتبع سياسة معتدلة.

وأشار دبلوماسيون غربيون ومسؤولون إيرانيون في تصريحات لوكالة رويترز إلى أن وزارة الخارجية الإيرانية صاغت اقتراحا متدرجا تمكن بموجبه عودة طهران وواشنطن إلى الالتزام بالاتفاق.

وتستند الخطة، التي طُرحت على المستوى الداخلي بإيران في فبراير الماضي ووافق عليها خامئني والمجلس الأعلى للأمن القومي إلى وقف طهران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة مقابل موافقة واشنطن على الإفراج عن بعض الأرصدة الإيرانية المجمدة في الخارج لدى اليابان وكوريا الجنوبية والعراق وقيمتها 15 مليار دولار.

ويرى دبلوماسيون غربيون أنه على إدارة بايدن إصدار أمر تنفيذي برفع العقوبات الاقتصادية، التي فرضها ترامب، وهي فكرة يرى المسؤولون الأميركيون وغيرهم أنها لا تصلح كبداية، لأن الإيرانيين الراغبين في موقف أشد رفضوا الاقتراح لأسباب منها أن الأمر التنفيذي لن يضمن فعليا رفع العقوبات كما أنهم رفضوا أيضا خطة بديلة أشد لتعليق تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة لشهر أو اثنين.

وكشف مصدر وثيق الصلة بمكتب خامنئي، لم تكشف رويترز عن هويته، أن الأخير عقد عدة اجتماعات مع المجلس الأعلى للأمن القومي ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية لمناقشة ما يتعين فعله. وقال إن “خامنئي وافق في البداية على الخطة قبل أن يقرر في اجتماع في مطلع مارس الجاري أن المؤشرات من الإدارة الأميركية غير كافية ويسود الآن موقف أشد يطالب برفع العقوبات الأميركية أولا”.

وكان مسؤولون أميركيون قد اقترحوا في الآونة الأخيرة أن يتخذ الجانبان خطوات “متبادلة”، لكن إيران لم ترحب بالفكرة.

وفي كلمة له الأحد الماضي، قال خامنئي إنه “ينبغي على المسؤولين الإيرانيين افتراض أن العقوبات لن ترفع في وقت قريب وأن على الأميركيين رفع كل العقوبات”. وأضاف “سوف نتحقق من ذلك وفي حال إلغاء العقوبات سنعود إلى الوفاء بالتزاماتنا دون أي مشكلة… صبرنا طويل”.

ورأى هنري روم المحلل في مجموعة يوراسيا أن تصريحات خامنئي تسلط الضوء على الاعتقاد بأن الولايات المتحدة وإيران لن تعيدا إحياء الاتفاق النووي قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية وأن احتمال عقد اجتماع بين البلدين قائم لكنه ليس مرجحا قبل يونيو القادم.

ومع أن الأمور لا تزال عالقة، والوقت ينفد قبل الانتخابات، لكن فرنسا وبريطانيا وألمانيا، الأطراف الأوروبية في الاتفاق النووي، لا تزال تسعى لإحراز تقدم. وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي إن “فرص تحقيق انفراجة قبل الانتخابات تصل نسبتها إلى خمسين في المئة”، لكنه قلل من أهمية المحادثات المباشرة وذكر أن الاتصالات غير المباشرة قد تحرك الأمور.

وذكر أحد الدبلوماسيين الغربيين أن تقييم بلاده حول هذه المشكلة، هو أن خامنئي لن يتراجع في الوقت الراهن، إلا أن إيران قد تطرح مقترحا قبل يونيو وإن كان من المحتمل أن ترفضه واشنطن والشركاء الأوروبيون.

ولكن رغم ذلك، يرى مراقبون أن الولايات المتحدة لم تستسلم بعدُ، بأن إيران تخلت عن فكرة المحادثات قبل الانتخابات، وإن كانوا يعتقدون أن الفرصة قد تتبدد في أبريل المقبل مع التركيز على السياسة الداخلية في إيران خلال مايو المقبل.

وهذا الموقف تجسد في تصريح أحد المسؤولين الأميركيين لرويتزر حينما قال إن “موقفنا (إدارة بايدن) وموقف الآخرين ومنهم إيران هو أننا ما زلنا نستكشف ما يمكن فعله في الأسابيع المقبلة ولا نعتقد أن الوقت حان لإغلاق الباب لأنه لن يحدث شيء قبل الانتخابات”.