لكل السوريين

“الهوية الضائعة”.. معاناة لنساء بأرياف حمص وحماة

تقرير/ جمانة الخالد

تواجه نساء بأرياف حمص وحماة لا سيما في البادية، صعوبات جمّة في الحصول على أوراق ثبوتية تعكس حالتهن الشخصية والأسرية والمدنية، فبعضهن فقدن أوراقهن بسبب الحرب والتهجير والتدمير، وبعضهن لم يتمكن من تجديدها أو تحديثها بسبب الإجراءات المعقدة والمكلفة والخطرة، وبعضهن لم يحصلن عليها أصلا بسبب التقاليد والعادات والأعراف المجتمعية.

ومن المسلّمات أن الهوية هي حق أساسي لكل إنسان، تحدد من هو ومن أين، فالهوية هي الوثيقة التي تمنح الإنسان حقوقه وواجباته كمواطن في مجتمعه، وهي الضمانة التي تحمي الإنسان من التمييز والاستغلال والظلم؛ لكن هناك آلاف من النساء اللائي فقدن هذا الحق، وبتن بلا هوية وبلا حقوق تحفظ كرامتهن.

هذا الوضع، الذي يخالف المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، يؤثر بشكل سلبي على حياة هؤلاء النساء، ويحرمهن من ممارسة حقوقهن كمواطنات في سوريا، فهؤلاء النساء لا يستطعن التسجيل في المدارس أو الجامعات أو المستشفيات أو المؤسسات الحكومية، ولا يستطعن الحصول على جواز سفر أو رخصة قيادة أو شهادة زواج أو طلاق أو وفاة، كما يتعرضن لخطر التجارة بالبشر والزواج المبكر والإجباري والعنف المنزلي والجنسي.

إنّ تأثير النزاع والحروب على السكان لا يقتصر على الخسائر المادية والجسدية فحسب، بل يتعداها إلى الأبعاد الاجتماعية والإنسانية، في سوريا باتت النساء ضحايا هذه الحروب بشكل خاص، فهنّ يعيشن تحت وطأة الصراع والمعاناة في ظروف قاسية لا يحتملها أي إنسان، وتزيد معاناة النساء في سوريا بشكل مزمن بسبب فقدانهنّ للأوراق الثبوتية، مما يجعلهنّ “سوريات بلا هوية”.

وهناك سوق سوداء نشطة للأوراق الثبوتية السورية، حيث يتم بيع وشراء الهويات بأسعار باهظة تصل إلى ملايين الليرات، وهذه السوق تزيد من حجم المشاكل والتعقيدات التي يواجهها النساء وتجعل من الأمر أكثر صعوبة.

هذه السوق السوداء تستغل حاجة السوريين لاستخراج أو استرجاع وثائقهم المحتجزة لدى الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية السورية، تضم سماسرة محليين وآخرين يعملون في مؤسسات الدولة لإعادة واستخراج الوثائق مقابل مبالغ تصل إلى 10 ملايين ليرة سوريا، أي ما أكثر من 700 دولار أميركي.

ويستخدم بعض السماسرة وثائق مزورة أو مسروقة، لبيعها للذين فقدوا أوراقهم أو لم يحصلوا عليها من الأساس، وتتراوح المبالغ المدفوعة لبطاقة الهوية وشهادة الميلاد بين 150 إلى 200 دولار، حيث لا يقبل السماسرة سوى التعامل بالعملة الصعبة.

يتم تنظيم هذا السوق خارج إطار القانون وبطرق غير شرعية، بسبب خوف النساء من الاعتقال أو الاحتجاز لمدة غير معلومة، وهذا يعرض المشترين والبائعين لمخاطر قانونية كبيرة في حال تم اكتشاف الوثائق المزورة، في حين تكافح النساء في سوريا للحصول على وثائق بغض النظر عن مصدرها من أجل الوصول إلى الخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية.

الأشخاص الفقراء والمحرومين هم الأكثر تضررا من هذا السوق، حيث يجدون أنفسهم مضطرين لشراء الوثائق بأسعار مرتفعة للوصول إلى الخدمات والفرص التي يحق لهم الاستفادة منها بشكل طبيعي.

لا يوجد رقم دقيق عن أعداد فاقدي الوثائق الثبوتية في سوريا، لأن هذه المشكلة تتعلق بملايين السوريين الذين تأثروا بالحرب والتهجير والتدمير؛ لكن بعض التقارير والدراسات تشير إلى أن نسبة كبيرة من السوريات لا يملكن أوراق ثبوتية تعكس حالتهن الشخصية والأسرية والمدنية، مثل الهوية الشخصية، ودفتر العائلة، وعقد الزواج، وشهادة الميلاد، وشهادة الوفاة، وجواز السفر، ووثائق الملكية.