لكل السوريين

الإقصاء الثقافي وثقافة الإقصاء

محمد عزو

عبر التاريخ عرفت البشرية حالات وآفات مازالت مستمرة حتى يومنا هذا هي خلل إقصاء الآخر وتهميشه، أما الثقافة الإقصائية هي نوعاً من التفكير الفردي، الذي يتم من خلال تشويه حالة وصورة الآخر، وهي آفة من آفات المجتمع التعددي وخطرها مرعب وأشد فتكاً من الخطر الخارجي.

وفي اللغة نقول أن المدير العام للمؤسسة أقصى المدير التنفيذي أي أنه “أبعده” عن العمل أو المشاركة أو عن الممارسة أو.. أو.. الخ… آخر ما هنالك، وهذا يعني أنه هناك (مقصى) وجهات تقصيه وتطرده أو تبعده عن العمل، أو أنها تهمشه بشكل أو بآخر، وحقيقة الإقصاء بالبعد يعتبر نوع من “الإلغاء” للمقصين.

والمشكلة تكمن في أن صاحب العقلية الإقصائية في أعماقه يحاول أن يقلل من قيمة الأشخاص، الذين لا يتلاءم معهم فكريا”، والأشخاص الذين لا تتطابق وجهات نظرهم مع وجهات نظره، وقد يكون منهم الأديب، أو السياسي، أو المفكر، وقد يكون وجيهاً اجتماعياً فاعلاً ومؤثراً في محيطه.

فيقصى كي تبقى الساحة (للبيك) لمن أقصاه نفعاً، وفائدةً، وحضوراً، ونفياً.. والإقصاء في المحصلة الأساسية كما نوهنا فيما سبق من كلام، هو في التصنيف النوعي يكون إقصاء سياسياً، أو فكرياً، أو دينياً، أو إدارياً أو.. أو.

لكن الأخطر هو إقصاء الكفاءات ذات المكانة المستدامة كي يؤتى بالوسط، والدوني، وغير القادرين أي عدم الالتزام بمبدأ بالرجل المناسب في المكان المناسب، والإقصاء في جوهره عمل نفعي لمنفذه والجهة القائمة به، على قاعدة مصلحة الأنا الفردي أو بما يُسمى مجموعة النفع والاستفادة والتسديد، كي لا يأتي من يقوم بمنافستها، أو يشركها في لقمة الخنزرة وفي الفائدة، أو من يأتي ويكشف زيفها وشرور ما تفعله.

وعموماً يتم ذلك على حساب المصلحة العامة، وتخبرنا الوثائق والأخبار كم من فئات كبيرة في خبرتها وفي قدرتها وكفؤها أقصيت، وهمشت في سبيل يظل الأشرار مستفيدين ومن معهم من شلية ليفعلوا ما يريدون.

بالغريزة طبيعة الإنسان تميل إلى ما نسميه بـ (الأنا الفردي) صاحبة المصلحة الذاتية التي هي رغبة النفع أي كان شكلها ومضمونها، وهذه الأنا الفردي لا تميل مطلقاً للآنا الجمعي صاحبة المصلحة العامة، ولا يًصْلحْ الأمر إلا منطق قيام الدولة ومؤسساتها وعقدها الدستوري، والقانوني كي يضبط إيقاع الفردية والنفعية، وليقيم التوازن المبدئي بين مصلحة الناس.

وفي الإقصاء الثقافي والفكري يا ما تضيع قامات ثقافية، وفكرية، وأخرى أدبية ويتصدر المشهد الثقافي والفكري أنصاف وأرباع المثقفين، ويبرزون على أنهم نجوم من خلال السوشال الميديا، وغير ذلك من وسائل النجومية.

وهناك من عوامل الإقصاء ما يسمى بـ (عداوة الكار) يمثلهم فئات مهنية من أطباء ومهندسين ومحامين وغيرهم، فكل منهم يحاول إقصاء الآخر والنيل منه في سبيل المصلحة الذاتية والفائدة، بأساليب لا أخلاقية.

أما الإقصاء الثقافي يحصل بسبب ما نسميه بـ (ثقافة التغريب) وهي النظرة الدونية لثقافة بلده من قبل ممن درس في الغرب، نتيجة متأثرة بفكر وحضارة الغرب، غير آبهاً حتى بالجيد والأصيل في حضارة بلده، وهناك إقصاء ذاتي نتيجة لليأس والانعزال على قدر المثل الذي يقول.. (عقل المرء محسوب عليه) والشجرة العالية المثمرة ترمى بالحجارة.

إن الإقصائية ثقافة قائمة بالمعنى السلبي في حياتنا المشرقية، وهي جزء كبير سمن تعثر نهوضنا وبنائنا، ومعالجتها أمر يحتاج إلى زمن وجهد مضني.