لكل السوريين

انحطاط وعي النخب المثقفة

محمد أرسلان 

ربما تكون لثورات ما سُمي بالربيع العربي إيجابية رغم الكم الهائل من السلبيات التي أفرزتها منذ خروجها وحتى الوقت الراهن. الكثير تحدث عن السلبيات وما رافقه من نتائج مأساوية ودرامية على الترابط المجتمعي والعائلي وحتى الإنساني في مختلف النواحي.

كثيرة هي الأماني التي كان يحلم بها الشعب في بداية هذه الثورات الشعبية التي أرادت أن تعيش بكرامة وحرية وتشعر بوجودها الذي لطالما افتقدته عبر السنين. كانت ثورات بحث عن الذات في عالم الاغتراب الذي عاشته نتيجة تسلط الأنظمة الشمولية التي حولت المجتمع إلى كائن نمطي بامتياز لا يدرك ماذا يريد من الحياة أو حتى لماذا هو موجود بالأساس؟

كثيرة كانت أسئلة الشعوب المنتفضة على الواقع المرير الذي كانت تعيشه، وأرادت من خلال هذا الحراك أن تسمع وترى أجوبة للكم الهائل من الأسئلة التي لم ترَ لهم أجوبة حتى راهننا. فإذ، تحولت تلك الثورات إلى جحيم على رؤوس الشعوب وكان القتل والتهجير والنحر والحرق والتدمير هي النتيجة التي وصلت إليها رغم التضحيات التي قدمن من أجلها. كل ذلك تم تحت شعارات دينية وقومجية ومذهبية وطائفية يتهم فيها طرف الطرف الآخر. مع العلم ان الطرفان كانا وجهان لعملة واحدة ولم يختلفا عن بعضهما بشيء لا شكلًا ولا مضمونًا، سوى تكريس تبعيتهما للخارج ومن يبيع الوطن والشعب أكثر.

هذا ما كان في سوريا وربما هو نفسه عاشته الشعوب في العراق وليبيا واليمن وأرمينيا وغيرها من البلدان والدول التي أصابتها عدوى الشتاء (الربيع) العربي. نصف الشعب السوري مهجر يبحث عن لقمة العيش في المخيمات ومعسكرات اللاجئين في دول الجوار أو أوروبا، وما تبقى في الداخل نصفه نازح يتشوف للرجوع لداره التي تركها عنوة، وهو يعلم يقينًا أن لن يرجع.

معارضة لا يمكن تسميتها إلا بأنها أسوء ما أنتجته الأنظمة بحدِ ذاتها التي تربت في مدارس ومؤسسات تلك الدولة الفاشلة لتنتج معارضة فاشلة لا همَّ لها سوى جمع الثروة على حساب الوطن والمواطن. معارضة مرتمية في أحضان أشرس عدوٍ لها وحتى أن هذا العدو مستعد لأن يبيع المعارضة كلها من أجل مصالحه وأجنداته السلطوية. وهذا ما كان وما نراه الآن لما يحدث لمن أرادت ان تسمي نفسها بالمعارضة وهي تعيش أيامها الأخيرة في أحضان أردوغان.

إيجابية ربما كانت واحدة للربيع العربي الذي جعلنا نراها ونعيشها بكل تفاصيلها الدقيقة والتي لولا هذا الربيع، لما كنا عرفنا حقيقة هذه المعارضات ولما سقط القناع عن وجوههم الكريهة. كشف لنا الربيع العربي وبالتجربة والاثبات أن هذا الربيع العربي لم يسقط الأنظمة السلطوية الفاشلة، وكذلك أثبت لنا بالتجربة مدى انحطاط الوعي عند الذين كانوا يدعون أنهم من النخب المثقفة التي يمكن التعويل عليها في أي عملية تغيير يمكن أن تحدث في المجتمع. نخب مؤدلجة ومنحطة لآخر درجة يمكن أن يصلها إنسان. نخب مستعدة أن تبيع كل شيء بدءًا من صوتها وقلمها وأخلاقها وضميرها وكرامتها بحفنة من المال أو حتى بصورة مع هذا المسؤول أو ذاك.

نخب كانت تدعي أنها مثقفة وأنها تمثل وجدان المجتمع، لكنه تبين أنه حتى لا تمثل نفسها على أبعد تقدير وهي أسيرة للمال والشهرة والصورة ولتذهب الثورة والشعب للجحيم. نخب أرادت أن توهم الشعب والمجتمع أنه لم يحن وقت الثورة وأن القوى الخارجية هي التي قضت على الثورة وأنه في الحروب يمكن للعدو أن يتحول إلى صديق، وكثير من الرياء والافتراء والخداع تم تسييره على الشعوب المغلوبة على أمرها عن طريق هذه النخب التي قبلت على نفسها أن تعيش الانحطاط بكل معانيه. وبنفس الوقت لم تحاول هذه النخب إرخاج الشعب من الحالة الغوغائية التي كانت تعيشها وتركتها كما هي كي يتم تسييرها كما يريد النخبويون الذين تحولوا إلى أصوات وأقلام مأجورة كما رفاقهم الذين تحولوا إلى بنادق مأجورة عن أردوغان، ليزج بهم في حروب عبثية إن كان في ليبيا وأرمينيا أو اليمن والصومال وكشمير.

غوغائية وشعبوية النخب أثبت بالتجربة أن وعيها أصابه الفيروس القوموي – اليساريوي والدينوي المتحور والمتخم بالشعارات الدينية الرنانة. لهذا لم تنجح ثورات الشعوب وتم وأدها وهي في مرحلة الولادة من قبل هذه النخب التي تحولت إلى معارضة في غفلة من الزمن. وحتى يتم التخلص من هذه المعارضة التي باتت عنوان الثورة المضادة، على من يدعي أنه يمتلك الوعي الأخلاقي أن يفضح هذه الفئة التي باتت تشكل خطرًا على المجتمع في المستقبل أيضًا.