لكل السوريين

مفارقات

كل شيء تستطيع تداركه بالعودة إليه، وترميم ما تهتك منه، أو تعويض ما تخسره في تجارة ما، أو باستصلاح أرض زراعية في مشروع ما أو أو.. إلا الزمن حين يمضي ونحن في غفلة عنه.. وكأنه حسوة ماء تسللت من بين فرجات الأصابع.

ولا نشعر به إلا حين نقع في هوة واقعٍ أليمٍ.. نحاول أن نعود إلى زمن البدايات، ولكن هيهات يطاوعنا الزمن نلتفت إلى الخلف ننفث أشواك الحسرة والأمنيات الضائعة بين الأمس واليوم …!

ـ المرأة الرقية بين حقبتين:

ـ الحقبة الأولى: حين عاشت المرأة الرقية حياتها الريفية البسيطة المفعمة بالعفوية وفق أمور معيشية صعبة في بيوت طينية وقرميدية بسقوف من أعمدة خشبية وأسطح مطلوسة بالطين بدون كهرباء ولا ماء.. في بيوت عربية البناء واسعة، وفي نهاية كل بيت يوجد تنور ومكان للصاج إذ كانت المرأة تقوم بتجهيز الخبز بشكل يومي.. تستيقظ على وميض نجمة الصبح.. فتعجن وتخبز ثم تقوم بتسخين الماء في قدر كبير لتقوم بغسل الثياب ونشرها على الحبال قبل أن تتثاءب الشمس.

وتنطلق إلى المطبخ البسيط حيث يتم طهي الطعام على النار فتقوم بتجهيز وجبة الإفطار وبعد انتهاء الأسرة من وجبة الإفطار تبدأ بجمع الفرش ورصفها على طاولة خشبية يطلق عليها (المنضاد)، ثم يحضر الزوج ما يتفق عليه من مواد لوجبة الغداء.

لم يكن وقتذاك برادات، فتطهو المرأة وجبة طعام تكفي للغداء والعشاء، ثم تقوم ربة البيت بتنظيف لمبات الكاز وتعبأتها بالكاز قبل غروب الشمس لكي تكون جاهزة وقت حلول العتمة.

ومن الأعمال الصعبة التي تنجزها المرأة آنذاك تجهيز البرغل الذي كان يعتبر وجبة رئيسية وقتذاك، فبعد سلقه بحلة كبيرة تقوم بتجفيفه وتنقيته من الحصى والشوائب الموجودة فيه ويعبأ في أكياس، لتتم عملية جرشه وتتابع المرأة غربلته لتفصل الحبوب الخشنة على حدة، والناعمة كذلك، إذ لكل نوع من البرغل استعمالاته في الطبخ، ثم تقوم بتجفيف الخضار كالباميا والباذنجان والفليفلة الحمراء واللوبيا وغيرها من أجل مؤونة الشتاء.

هذا باختصار شديد مع تحملها مشقة وأعباء الولادات المتكررة ولا تتوقف المرأة عن الإنجاب إلا بتوقف العادة الشهرية فتنجب المرأة بشكل وسطي من عشرة الى اثنا عشر فرداً تقوم بكل تلك الأعباء بدون تذمر أو شكوى…!

ـ الحقبة الثانية: ابتدأت مع تحولات الحياة والارتقاء بالمجتمع ككل نحو حياة حضارية حيث الماء والكهرباء والغاز وتسرب أدوات التكنولوجيا شيئاً فشيئاً إلى البيوت.

وافتتحت المدارس وغصت الصفوف بالطلاب والطالبات، وبعد التخرج ابتدأت النساء في حقول التعليم ثم حصلن بعد معاناة على موافقة الأهل بدخول الجامعات، فأصبح التنافس على مدارج الجامعات بين طبيبة ومهندسة وحقوقية وغيرها من الاختصاصات الأخرى، وهي قفزة نوعية للإناث في تحقيق أهدافهن بالتعليم والحصول على أعلى الشهادات.

وأصبحت البيوت مجهزة بكل الوسائل التي تخدم الأسرة كالبراد والغسالة ومواقد الغاز مع الأفران، وكلٌ يؤثث بيته حسب قدرته المادية.

وأصبحت المرأة تنعم بحياة رغيدة إذ أصبحت كل وسائل العيش والرفاهية في متناول يدها، وخاضت صراعاً من أجل المساواة مع الرجل حتى وصل الرجل إلى مرحلة يشعر بأن حقوقه قد ضاعت في تيار تطور المرأة الجارف.

رغم كل ما حققته المرأة من حقوق ومكاسب اجتماعية، بدأت بالتذمر من أسباب قسوة الحياة عليها وتدعي الإرهاق وعدم السعادة نتيجة الضغوطات التي بدأت تتفاقم عليها.

وبدأت العلاقات الأسرية تعاني من مشاكل جمة (وهنا في هذا المضمار لا أعمم على جميع النساء إذ لكل قاعدة استثناء)، فإذا كانت امرأة اليوم بعد كل وسائل الرفاهية ووسائل الحياة الرغيدة تتذمر وغير راضية عن حياتها، فماذا ستقول امرأة الأمس لو نهضت من قبرها؟!