لكل السوريين

بوتين والأرمن، ترامب والكرد

مأساة ما حصل ويحصل للأرمن والكرد منذ ما يقارب القرن من الزمن ما زالت مستمرة حتى راهننا بأسماء مختلفة ليبقى الجوهر واحد لم يتغير. كثيرة هي التحليلات التي يمكن كتابتها والوصول لبعض التصورات لما آلت إليه الأوضاع في أرمينيا. وربما بكل تأكيد يمكن قول الكثير عن دور روسيا في النتائج التي كانت بكل معنى الكلمة تراجيديا بالنسبة للأرمن. ويمكن القول ذاته بالنسبة للكرد وما يعيشونه من مأساة مستمرة ولا تعرف نتائجها رغم ما حلَّ بهم من فواجع، إن كان من قبل دب روسيا بوتين أو من قبل قيل أمريكا ترامب.

المأساة هي نفسها من إنكار لحقوق شعب يريد أن يحيا بكرامة في ظل قوانين مصالح الغاب الدولية التي تغلب عليها المنفعة المطلقة على حساب تلك الشعوب، وحتى بعض أوهام الحفاظ على الدولة القومية التي كانت ولا زالت تمثل المقصلة المقدسة للتضحية بالشعوب من أجل الآلهة المهيمنة في العالم. مقصلة الدولة القوموية التي ولدت في أوروبا وانتشرت كالهشيم في العالم بعد أن تم إلباسها ألف قناع وهالة مقدسة، خُدِعت بها الشعوب على أنها الملاذ الآمن على الأقل للحفاظ على الهوية القومية لأي شعب من الضياع وسط فوضى الحروب التي تمت من أجل السيطرة على الشعوب بعد أن يتم تنويمهم مغناطيسياً برقاص “بندول” الدولة القوموية.

في أعقاب الحرب العالمية الأولى التي كانت بداية انتشار فكرة تشكيل الدول القوموية في منطقتنا تحت خديعة التخلص من الإرث العثماني الذي أنهك المنطقة، أرادت روسيا وفرنسا وبريطانيا بأن يكون تقطيع تورتا (الكاتو) منطقة مشرق المتوسط ذات الاحتلال العثماني، بيد العرب في الحجاز والكرد والأرمن في بلاد الرافدين (ميزوبوتاميا)، تحت وعود كاذبة بمنحهم دول قومية.

خاصة بهم يعيشون فيها كيفما شاؤوا. وكانت النتيجة بعدما وثقت الشعوب باللصوص الثلاثة (روسيا – فرنسا – انكلترا)، أن لا دول قومية خاصة بهم وكل ما هنالك هي شبه دويلات متفرقة متصارعة للعرب، بعد أن كانت الوعود بمنحهم دولة سوريا الكبرى، وقفص أو سجن صغير تم تسميته بأرمينيا تم منحه للأرمن، بعد أن وعدوهم أيضاً بأرمينيا الكبرى. وخرج الكرد من هذه المعادلة صفر اليدين من دون حتى شبه دويلة متفرقين بين أنياب الدول القوموية التي تحولت إلى وحش يأكل شعبه. إنها لعبة الأمم والمصالح والاقتصاد “يا غبي” (مقولة استخدمها كلنتون في حملته الانتخابية ضد بوش الأب)، نعيشها بكل تفاصيلها في الفوضى المستشرية في ليس فقط في المنطقة، بل في كافة نواحي حياتنا وحتى شخصيتنا المبنية بالأساس على الفوضى وعدم وضوح الهدف لا من الحياة ولا من نفسنا أيضاً.

مقولة ربما أطلقها كلينتون من أجل الداخل الأمريكي والتي كان لها مفعول الإكسير في نجاح كلينتون ووصوله للبيت الأبيض. الآن وبعد أكثر من ثلاثون عاماً ربما تكون هذه المقولة صالحة لحتى الآن ولكن ليس فقط للداخل الأمريكي بل للخارج أيضاً. وخصة لنا نحن شعوب ودول مشرق المتوسط الكبير.

فلا يمكن لوم دب روسيا بوتين ولا فيل أو حمار أمريكا (بغض النظر عن إن كان الرئيس جمهورياً أو ديمقراطياً)، لأنهم دولتين مهيمنتين بالأساس، وأساس الهيمنة عندهم هو الاقتصاد والمصالح الاقتصادية فقط لا غير. جملة علينا أن نرددها آلاف المرات سراً وعلانية ونعلمها أولادنا وأحفادنا بأن لا يثقوا بالقوى المهيمنة إن كانت روسيا أو أمريكا.

وإن سألنا أحفادنا لماذا؟ سنقول لهم لا بد “إنه الاقتصاد يا غبي”، إنها من الدروس والعبر التي ينبغي ألا ننساها مطلقا ونعلمها للأجيال القادمة. الآن ما يمكن استيعابه من التجربة الأرمنية وما نالها من هزيمة في عقر دارهم على يد روسيا القيصرية وضوء أخضر أمريكي، وما حصل في ليبيا من دور أمريكي وروسي لاحتلال ترهونة، ونفس الأمر بالنسبة للكرد وما حلَّ بهم في عفرين على يد دب روسيا بوتين وكذلك ما حصل في سري كانيه/ رأس العين وتل أبيض/ كري سبي على يد فيل أمريكا ترامب، هو نفسه ما عشناه قبل قرن من الزمن ولم نستوعب بعد مصالح القوى المهيمنة إن كانت غربية أو شرقية أو أوروبية أو أسيوية، الكل لهم مصالحهم وعليه تتشكل التحالفات والاستقطابات والتوازنات الإقليمية والدولية.

علينا ألا نلوم أحد على المآسي التي نعيشها وتتكرر فوق رؤوسنا من نفس القوى، ولنعترف بأننا نقرأ التاريخ ولكن لا نستوعبه ولا نعيش روح التاريخ، لذلك تطبق علينا مقولة “إنه الاقتصاد يا غبي”.

وحتى نفهم فلسفة هذه الجملة والتي بسببها خسر بوش الاب الانتخابات، حينها يمكن أن نبني إرادتنا على قوانا الذاتية وعدم انتظار الفزعة والمدد من الآخر المهيمن الذي يعيش بعقلية مصالح قوانين الغاب.

محمد أرسلان علي