لكل السوريين

“صبيةُ الميكانيك”.. وورشةٌ “إرادة”!

السوري/ حماة ـ ما إن دخلتَ تلك الورشة الصغيرة التي يُغرقها السواد، وتملؤها قطع الحديد والغيار، حتى تطالعك ابتسامتها التي تحمل من معاني الحياة الكثير، إنها “صبيّة الميكانيك” أو “هبة”، الثلاثينية، التي تقطن وعائلتها إحدى قرى الريف الغربي لحماة.

تعود “صبية الميكانيك” كما يحلو للبعض بمناداتها، بذاكرتها إلى بداية عملها في هذا المجال الذي لطالما اعتبر حكراً على الرجال، تقول: “كنت أرافق والدي يومياً إلى الورشة أراقبه وأتعلم منه أسرار العمل، ومن ثم أحاول تطبيق ما تعلمته بكل دقة”.

لكن صفعات الحياة أسرعت لتلطم خديها بفقدان سندها الوحيد باكراً بعد أن قضى عليه المرض، فوجدت نفسها وجهاً لوجه مع الفقر والجوع، وهي المعيل الوحيد للعائلة، وتلك الورشة الصغيرة المصدر الوحيد للرزق.

تُطلقُ تنهيدةً موجعة وتتابع: “أنا أكبر إخوتي لذلك حملتُ على عاتقي مسؤولية الاعتناء بالعائلة وتوفير قوتنا اليومي وها أنا اليوم أسير على خطا والدي”، وبابتسامة صفراء مرفقة بالدموع تنطقُ “موت أبي كسر ظهري”.

ثم تواصل الحديث عن أسباب اختيارها لهذه المهنة بالذات لتؤكد أن عدم قدرتها على تحقيق مستوى دراسي جيد كان أيضاً من بين أهم الأسباب إضافة إلى أنها تعلقت بهذه المهنة مشيرة إلى لافتة وضعت أعلى الورشة كتب فيها المختار وهو لقب والدها.

ولم تكن “هبة” بمنأى عن أحاديث الناس ونظرة استنكار من هذا وذاك، خاصة بأن كل روادها ذكور لكنها لا تزال صامدة، وتردفُ: “لم أندم على اختياري هذه المهنة فعندما أرى معاناة فتيات قضين سنوات طويلة في الدراسة ولم يحالفهن الحظ في إيجاد وظيفة ينتابني شعور بالرضا”، بهذه الثقة تحدثت هبة عن نفسها بعد أن مسحت العرق المنصب على جبينها ورائحة الزيوت التي تستعمل للمحركات تفوح منها.

لكن “صبية الميكانيك” ليست الوحيدة التي اختارت مهنة صعبة وشاقة، فعلى بُعد بعض الكيلومترات، يوجد كثيراتٌ لجأن إلى هذه المهنة أو تلك، بعد أن أغلقت كل الأبواب أمامهن ولم يستطعن إيجاد عمل خاص بالنساء.

أما عن نظرة المجتمع لها فتقول: “الكل يصاب بالدهشة في البداية عندما يرى امرأة تعمل في مهنة كهذه، لكنني في المقابل وجدت الكثير من الناس تدعمني وتشجعني”.

فالظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها سوريا منذ سنوات طويلة، من فقر وغلاء معيشة وحرب، حتمت على المرأة الخروج إلى العمل واللجوء إلى مهن لطالما كانت حكراً على الرجال دون سواهم خاصة عندما تكون السند الوحيد للعائلة متغلبةُ على كلّ الصعوبات التي تواجهها.

ويرى مختصون في علم الاجتماع، أن ارتفاع نسبة النساء العاملات بمهن تعدّ حكراً على الرجال، مرتبط بتطور الأوضاع الاقتصادية التي تتحول باستمرار نحو الهشاشة، وكذلك بتوزيع الأدوار الاجتماعية بين الرجل والمرأة وتغير الصورة النمطية للمرأة التي تربط وجودها بالوظيفة المنزلية والإنجابية أو ببعض المهن التي يعتبرها المجتمع السوري مهن نسوية كمهن التدريس والتمريض والإدارة والخياطة.

حيث أثبتت أنها على مقدرة لمنافسة قرينها الرجل خصوصاً مع تزايد الحاجة المادية وتردي الوضع الاجتماعي الذي يدفعها لمزاولة أي مهنة تجدها أمامها دون اعتراض رغم الصعوبات وتدني الأجر.

فنظرة المجتمع للمرأة العاملة في المهن التي كانت حكراً على الرجال، أصبح اليوم مقبولاً اجتماعياً وخصوصاً بالأوساط الريفية، حيث تشتد الأعباء الاقتصادية وحيث تتقاسم المرأة مسؤولية الأسرة المادية أو تعيل أسرتها بشكل كامل في حالة بطالة أو وفاة أو مرض الزوج.

يُشار أن سوريا احتلت المرتبة الأولى عالمياً بمعدلات البطالة، ووفق منظمة العمل الدولية، فقد وصلت نسبة العاطلين عن العمل في سوريا 50%، لتحتل بذلك المرتبة الأولى في العالم، ما يعني وجود نحو 3.72 ملايين عاطل من العمل، ما أدى إلى فقدان مصدر الدخل الرئيسي لـ12.22 مليون سوري.

تقرير/ حكمت أسود