لكل السوريين

حرائق الساحل السوري مالها وما عليها

حسن مصطفى

مما لاشك فيه أن ما وقع من حرائق طالت أرياف كلاً من طرطوس واللاذقية وحمص وحماة، واستمرت لعدة أيام أتت على آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية والحراجية، وكان أكبرها في مناطق مشتى الحلو، وحبسو في ريف دريكيش، وحريق الرقمة من منطقة الشيخ بدر، والطليعي شرق قرية الصفصافة وقرية الصبوحة.

إضافةً إلى حرائق المقعبرية، وبيت جناد والبيضة، والبساتين والجويبات وبلغونس، وجراء تلك الحرائق لقي شخصان حتفهما في بلدتي بلوران ودفيل، كما أُسعف عدد من المصابين جراء تلك الحرائق إلى مشافي اللاذقية.

ولكن اللافت للنظر أن هذه الحرائق هي الثانية خلال شهر، وتقع في نفس المنطقة الأمر الذي يقودنا للاستنتاج، بأن مثل هذا الشيء لا يمكن أن يكون نتاج الصدفة، فما حصل وحجم الحرائق واستهداف أرياف أربعة محافظات في آنٍ معاً.

يشير إلى أن الأمر يتعدى حدود التكهنات بالدوافع الجرمية العادية، ليصب في إطار الدوافع السياسية، وتصفية الحسابات بين بعض اللاعبين في الساحة السورية، وهذا الاستنتاج خلص إليه الكثير من المراقبين، الذين استوقفهم كثيراً وقوف القوات الروسية موقف المراقب لما جرى.

دون أن تتحرك آلية لهم للمؤازرة والإسناد لفرق الإطفاء التي استغاثت بكل الجوار، حيث جاءتهم المؤازرة الفنية الجوية من العراق، رغم بعد المسافة الجغرافية أما الروس فكانوا لايبعدون سوى بضعة كيلومترات، عن مسرح الجريمة والكل يعرف أن الجانب الروسي لديه خبرة في هذا الميدان.

والدليل على ذلك أن الروس قبل أربعة سنوات لبّوا نداء السلطات الإسرائيلية، حين اندلعت الحرائق في مناطق حيفا، وقد انطلقت حينها الحوامات الروسية المختصة بإطفاء الحرائق من قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري.

من هنا مبعث الاستغراب الاستنكاري للموقف الروسي الغريب تجاه ما وقع، ولكن المؤكد أن هذا الموقف الغريب مبعثه إدراك الجانب الروسي أن الحرائق التي وقعت لم تكن تستهدف الغابات والحراج والأراضي الزراعية.

وإنما كان الغاية منها إرسال رسائل لحليف الأمس القريب مفادها، أنه لا مساومة على رأس النظام، وأن هناك استعداد للتضحية بالحليف الروسي والتحول باتجاهات أخرى، إن هو أصرَّ على تبني الموقف المطالب بإزاحة رأس النظام.

وهذا الأمر بالنسبة لأتباع النظام هو خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو البحث فيه، في حين يرى آخرون أن مفتاح الحل للأزمة السورية هو الانتقال السياسي للسلطة، الذي يفضي بالمحصلة إلى إبعاد رأس النظام عن السلطة، تمهيداً لانتخابات سياسية برلمانية ورئاسية برعاية أممية في ظل دستور سوري متوافق عليه.

من هنا نجد أن ما حصل من حرائق تسببت في احتراق آلاف الدونمات من المناطق الحراجية والزراعية والبساتين، للآلاف من الأسر التي خسرت المصدر الوحيد لمعيشتها، لن تقتصر آثارها على الجانب الاقتصادي والزراعي بل ستكون له تبعات سياسية هامة على الوضع السوري، نظراً لأن ما حصل سيكون له ما بعده، وهذا ما سيتمخض عنه في القادم من الأيام.