قالت الامبراطورة الروسية كاترين الثانية عن سوريا “إن دمشق تُمسِكُ بمفتاح البيت الروسي”، فقرر الرئيس فلاديمير بوتين ان يجعل من حليفته سورية ” مفتاح عصرِ عالمي جديد”.
والذي دخل في الحرب السورية علنا في 30سبتمر من العام 2015، ملقيا بكامل القوى العسكرية في الصراع ضد المعارضة الإسلامية المسلحة، والتي تدعمها تركيا ومن خلفها التحالف الدولي، بعد شهر تقريبا من الحرب أسقط الأتراك طائرة حربية للروس من طراز (سو24) على الحدود بين سوريا وتركيا، لتدخل العلاقات الروسية التركية جوا من التوتر تمثل بقطع العلاقات الاقتصادية بين البلدين، تكبدت فيها تركيا خسائر بالمليارات.
نجحت خطة الولايات المتحدة وأروبا في جر(الدب) الروسي للمستنقع السوري، لتكرار سيناريو أفغانستان والذي أدى لتفكك الاتحاد السوفييتي.
تجنب الخطأ
دعم السوفييت الحكومة الأفغانية الصديقة للاتحاد بموجب اتفاقية موقعة بين البلدين 1978والتي تنص على وجوب تدخل السوفييت لدعم الحكومة الأفغانية في حال طلبت ذلك، والتي كانت تعاني من هجمات الثوار المعارضين ، والذين حصلوا على دعم من مجموعة من الدول المناوئة للاتحاد السوفييتي من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية، السعودية، باكستان والصين، وفعلا طلبت الحكومة الأفغانية المساعدة من الاتحاد والذي أعلن بعد عشر سنوات من دخوله الحرب انسحاب قواته من الأراضي الأفغانية، أنهكت هذه الحرب الإمبراطورية التي تفككت في 1991برعاية نحات السياسة والحدود الدولية (الولايات المتحدة الأمريكية).
إلا أن الروس عرفوا جيدا أخطائهم السابقة، سواء من حيث التدخل العسكري، والاحتياطي من النقد، حيث اعتمدوا على الذهب واكتفوا بالمساعدة اللوجستية للقوات السورية على الأرض، متمثلا بالغطاء الجوي والذي خلف الكثير من الضحايا، واستخدام أصناف جديدة من الأسلحة، جاعلين من الأراضي السورية حقلا للتجارب العسكرية.
تغيير خريطة السيطرة
دخل الروس الحرب السورية بخطى ثابتة ومحسوبة هذه المرة، للدفاع عن نافذتهم الوحيدة على المتوسط، وأدار ساستهم الحرب بحنكة وذكاء مستخدمين 13حق نقض (فيتو)لصالح الحكومة السورية حتى اليوم، يراها كثيرون ضد الشعب السوري، واستطاعوا على الأرض هزيمة الفصائل المسلحة بعد أن كادت قاب قوسين أو أدنى من الوصول للقرداحة معقل الرئيس (بشار الأسد)، ألحق الطيران الروسي الهزيمة بعزيمة المقاتلين الجهاديين، والذي فرض شروطه لإخلائهم من المناطق التي يسيطرون عليها.
المعروف عن الروس ولعهم بالحل السياسي، بعد خمس سنوات على تدخلهم، عملوا على رعاية عدة مؤتمرات دولية (جنيف 1,و2وأستانة والقاهرة…إلخ)، بالإضافة للمصالحات التي عقدوها مع مقاتلي الفصائل المسلحة دون قتال، استطاعوا خلال السنوات الخمس الماضية، قلب الطاولة على المعارضة وتحقيق نصر على الأرض، (بالنسبة للسيطرة الفعلية) لم يتخيله أكثر المتفائلين.
تغيير ديموغرافي
استطاع الروس إجلاء مئات الآلاف من المقاتلين، والأهالي في مدن عدة كانت تشهد اشتباكات بين قوات الحكومة السورية والفصائل المسلحة، هذه المناطق دخلتها القوات السورية مدعومة من ميليشيات موالية، حيث استملك الكثير منهم بيوت المهجرين، بالإضافة لتنصل روسيا من مساعدة المهجرين في إدلب.
قام الروس بنقل الجهاديين بالباصات الخضراء إلى الشمال، ليسهموا بشكل كبير في شيطنة المدينة ونزوح الكثير من المدنيين وترك بيوتهم، إلى مدن أخرى خوفا من حكم هؤلاء لهم، ومحاصرة هؤلاء ضمن خيارات محدودة إما الموت قصفا أو الارتزاق عند أردوغان.
صفقات مشبوهة
لم يدخل الروس الحرب إلى جانب القوات الحكومية عبثا، حيث حققوا الكثير من المكاسب الاقتصادية، والعسكرية، تضاهي تكلفة الحرب، بموجب صفقات وعقود في الموانئ السورية، والثروات الباطنية، والسيطرة على كامل مفاصل الاقتصاد السوري.
صفقات روسيا لم تكن اقتصادية فقط، إلا أنها استطاعت تحقيق مصالح سياسية مع دول عدة وعلى رأسها تركيا، حيث لا يستطيع الروس بالقيام بأي خطوة دون توافق مع تركيا، ولعل أبرز صفقاتها مع نظام أردوغان تسليم عفرين لما يسمى بالجيش الوطني (مرتزقة أردوغان)، واستخدام المقاتلين السوريين كمرتزقة في ليبيا وأرمينيا.
تضارب المصالح
ولأن السياسة لا دين لها، روسيا وتركيا على خلاف في كثير من البلدان، ولأن الخطر الأكبر لدى تركيا حدودها الشمالية، يحاول أردوغان تشتيت روسيا وتحقيق المزيد من المكاسب والوقت في سوريا، نقل أردوغان الصراع إلى ليبيا، إلا أنه لم يحقق ما كان يصبو له.
أردوغان الممتعض من ممارسات الروس، أراد أن يذيقهم مما أذاقوه إياه، فذهب للحدود الشمالية لروسيا، مهددا لها بعد أن قام الروس بالتحشيد لدخول إدلب، وقيامهم بضرب النقطة التركية في مورك، وتنفيذ الطيران الروس ضربات قريبة من الحدود التركية، نجح الأتراك في كبح جماح بوتين، الذي لم يشارك في تسيير الدوريات المشتركة مع تركيا على طريق M4، حيث رصدت عدسات “ناشطين” قيام آليات تركية منفردة في الدوريات.
في أذربيجان يقاتل الحالم بالإمبراطورية، أرمينيا المدعومة من روسيا، متبعا الاسلوب الايراني في حرب الجيوب، كما في اليمن الذي أنهك السعودية والامارات منذ سنوات دون تحقيق تقدم ملموس، وجنوب لبنان حيث يهدد الكيان الإسرائيلي.
لا يوجد منتصر في حرب القوقاز، أذربيجان المتحالفة مع الأتراك لا يمكن أن تنتصر على أرمينيا المدعومة من روسيا والعكس صحيح، لعدة أسباب ترتبط بالحليف والحدود الجيوسياسية والمنافذ.
تقرير/ أحمد العلي