لكل السوريين

حرب أذربيجان وأرمينيا.. صراع على النفوذ في القوقاز.. وبني عثمان يقاتلون بسلاحهم.. وبالدم السوري

يرى المتابعون لما يجري في إقليم ” قرة باغ”، أن استمرار الاشتباكات العنيفة والتصعيد العسكري بين أذربيجان وأرمينيا، سيدخل البلدين، ومنطقة القوقاز، في متاهة تنذر باندلاعِ حرب واسعة النطاق، يصعب التكهن بامتداداتها، وتداعياتها على البلدين، وعلى جنوب القوقاز، والمنطقة بشكل عام.

وتزيد التدخلات الأجنبية في هذا الصراع من احتمالات تحوله إلى حرب واسعة قد تنخرط فيها دول إقليمية، وربما أوروبية.

فوجود إقليم ” قرة باغ” على مفترق طرق رئيسة بين أوروبا الشرقية وآسيا الغربية، وبالقرب من ممر خطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز الطبيعي من بحر قزوين إلى الأسواق العالمية، يجعل من تدخل الدول الأجنبية أمراً مؤكداً، وهذا ما يهدد بصراع عسكري بين تلك الدول، وبزعزعة استقرار منطقة جنوب القوقاز، وقد يؤدي ذلك، في حال حدوثه، إلى تعطيل صادرات النفط والغاز من أذربيجان، التي تعتبر مصدراً مهماً للنفط والغاز، إلى أوروبا وآسيا الوسطى، مما يساهم بتصعيد الأزمة، وإشراك الجهات الفاعلة المعنية، في حرب لا يمكن لأحد أن يتوقع نتائجها.

ولقد بدأت ملامح هذا الصراع منذ أن سارعت تركيا لدعم حليفتها أذربيجان بكل إمكانياتها، بينما وقفت موسكو إعلامياً إلى جوار أرمينيا، وهي تسعى عملياً إلى تعزيز النزاع بين الطرفين لتتمكن من تثبيت نفوذها داخل البلدين، وتستخدم المنطقة كورقة ضغط على أنقرة، من خلال قدرتها استفزاز تركيا في عتبها الشرقية، وربما لمساومتها في الملف السوري والليبي، وفي ملفات أخرى.

وقد يتحول الوضع في هذه المنطقة إلى ساحة صراع جديد بين روسيا التي تملك الكثير من الأوراق الرابحة فيها، وبين تركيا أردوغان التي تسعى إلى إحياء الامبراطورية العثمانية البائدة.

جذور النزاع

النزاع بين أذربيجان وأرمينيا على إقليم ناغورني قره باغ، ليس جديداً، يل تعود جذوره إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما قرر جوزيف ستالين عام 1923 ضم الإقليم الذي كانت تقطنه أغلبية أرمينية، إلى أذربيجان، ومنحه حكماً ذاتياً.

ولما بدأت قبضة الاتحاد السوفياتي تتراخى على الدول التي كانت تدور في فلكه، تفجر الخلاف بين البلدين حول السيادة على هذا الإقليم عام 1988، وبلغ النزاع ذروته بإعلان الدولتين استقلالهما عن الاتحاد السوفياتي السابق عام 1991.

وتزامنا مع ذلك، أعلن أرمن الإقليم الانفصال عن أذربيجان، فأرسلت حكومة أذربيجان قواتها لاستعادته، وساندت أرمينيا أرمن الإقليم، فقامت بينهما حرب أودت بحياة أكثر من 30 ألف شخص من الجانبين.

وفي مسعى لوقف الحرب، أصدر مجلس الأمن عام 1993 قراره رقم 822، وطالب فيه القوات الأرمينية بالانسحاب من الأقاليم التي احتلها في أذربيجان، لكن القوات الأرمينية لم تمتثل للقرار.

وفي عام 2006، أقر أرمن الإقليم دستوراً كرسه كجمهورية مستقلة ومنفصلة عن أذربيجان، واختاروا مدينة “إستبانا كريت” عاصمة لها، ولم تعترف أي دولة بهذه الجمهورية.

وفي الخامس من تموز 2015، أسقطت أذربيجان طائرتين من دون طيار تابعتين للجيش الأرميني، قالت إنها اكتشفتهما لدى قيامهما بجولات استطلاع فوق المواقع الأذرية على خط الجبهة بين البلدين.

وتكثفت الاشتباكات بعد ذلك، إلى أن تدخلت “منظمة الأمن والتعاون في أوروبا” وهي تضم البلدين، ورعت محادثات وقف إطلاق النار بينهما.

وفي الثاني من نيسان 2016، حدث اشتباك بين البلدين أدى إلى سقوط ضحايا من الجانبين، وتبادل الجانبان الاتهامات بانتهاك وقف إطلاق النار مما هدد باشتعال الحرب بينهما من جديد.

شعب واحد في بلدين

شعار طالما رفعته تركيا للتعبير عن العلاقة المتينة التي تربطها بدولة أذربيجان، حيث تعيش فيها غالبية مسلمة مع وجود تركي مكثف.

وإلى جانب الروابط التاريخية والعرقية بين البلدين، ترتبط تركيا وأذربيجان بمصالح استراتيجية كبيرة تتعلق بخطوط نقل الغاز، ومكانة أذربيجان في سوق الطاقة، وخشية تركيا من أي مواجهة قد تؤثر على إمداداتها من الطاقة القادمة منها، وحاجة أذربيجان لتركيا كممر مهم لها إلى العالم الخارجي.

وحسب الرواية التركية، يعود الخلاف بين أذربيجان وحليفتها تركيا، مع أرمينيا إلى عام1914. وعندما حارب الأرمن الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.

وعندما تعاون القوميون الأرمن مع القوات الروسية لإنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول عام 1915، وعندما احتل الجيش الروسي شرقي الأناضول لقي دعما كبيرا من المتطوعين الأرمن، كما انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية وانضموا إلى الجيش الروسي.

مواقف دولية

أثارت المعارك المندلعة بين دولتي أذربيجان وأرمينيا، مواقف دولية اختلفت بين إعلان المشاركة بالصراع، ومحاولات تعزيزه، وبين دعوات إلى ضرورة وقف إطلاق النار.

حيث سارعت تركيا بالوقوف إلى جانب حليفتها التاريخية أذربيجان، ولم يقتصر موقفها على التصريحات، بل شارك طيرانها المسير والمعروف باسم “بيرقدار”، بالمعارك فور حدوثها.

ونشر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر حسابه على تويتر عدة تغريدات، شدد فيها على عزم بلاده دعم أذربيجان “بكل الإمكانيات”، كما دعا العالم إلى الوقوف بجانب أذربيجان في كفاحها ضد “الاحتلال الأرميني”.

وأكد أن “تركيا ستواصل تعزيز تضامنها مع الأشقاء الأذربيجانيين انطلاقًا من مبدأ شعب واحد في دولتين”.

من جانبه، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في بيان له إن “موقف أرمينيا العدواني يعد أكبر عقبة أمام السلام والاستقرار في القوقاز، وعليها التراجع فوراً عن العدوان”، بحسب وكالة الأناضول.

وبدورها سارعت أوروبا بالدعوة إلى التهدئة، وأعرب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، عن قلقه من الاشتباكات الدائرة على خط الجبهة بين دولتي القوقاز، ودعا إلى وقف الحراك العسكري بالمنطقة.

كما عبر حلف شمال الأطلسي عن قلقه من المعارك المندلعة بين الطرفين، وقال “الناتو” على موقعه الرسمي، “يشعر الناتو بقلق عميق إزاء التقارير التي تتحدث عن أعمال عدائية عسكرية واسعة النطاق على طول خط التماس في منطقة نزاع ناغورنو كاراباغ”، ودعا الجانبين إلى وقف الأعمال العسكرية التي تسببت بسقوط ضحايا من المدنيين.

على الرغم من الدعوات الأوروبية المتتابعة، لوقف القتال الفوري بين الجيشين، إلا أن وكالات فرنسية وألمانية استخدمت في أخبارها وتقاريرها صفات قد تشي بموقف مغاير للتصريحات الأوروبية.

ومع أن روسيا تحاول تعزيز الصراع بين الدولتين، إلّا أن وزارة خارجيتها دعت أذربيجان وأرمينيا لوقف الاشتباكات بينهما، والجلوس على طاولة الحوار.

وبحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مع نظيره التركي مولود تشاووش، الخلافات العسكرية بين الطرفين، بحسب وكالة الأناضول.

وإيران التي تربطها بأذربيجان علاقات عرقية ومذهبية، ولكنها تساند أرمينيا، دعت الطرفين إلى وقف الصراع بينهما، ونقلت “وكالة فارس” الرسمية، عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، قوله، “إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتابع عن كثب الاشتباكات العسكرية بين جمهورية أذربيجان وجمهورية أرمينيا، وتدعو الطرفين إلى ضبط النفس ووقف فوري للصراع وبدء المحادثات بين البلدين”.

أردوغان يقاتل بالدم السوري

منذ نشوب القتال بين أذربيجان وأرمينيا تتوالى التقارير التي تؤكد إرسال تركيا مقاتلين سوريين لدعم أذربيجان، وتحدثت أنباء تداولها ناشطون عن تجنيد مقاتلين سوريين من قبل تركيا، عبر مندوبين في مناطق سيطرة المعارضة التابعة لها، للتوجه إلى أذربيجان والقتال إلى جانب الجيش الأذربيجاني.

وتقول هذه الأنباء إن المقاتلين المجندين يجتمعون في مراكز محددة، منها قرية حوار كلس بريف حلب الشمالي، قرب الحدود السورية- التركية، ويستمر عقد التجنيد لمدة ثلاثة أشهر، لقاء راتب شهري يقدر بحوالي 1400 دولار أمريكي.

وقد صلت إلى هناك دفعة أولى من 500 مقاتل من فرقتي السلطان مراد والحمزة، بحسب ما ذكرته مصادر الجماعات السورية المسلحة التابعة لتركيا.

وأكد ثلاثة أشخاص يعيشون في مناطق تسيطر عليها تركيا في سوريا، لصحيفة الغارديان أن الفقر قد دفعهم إلى تسجيل أسمائهم لدى الوسطاء الذين وعدوهم بتشغيلهم في شركة أمن تركية خاصة في الخارج.

كما نقلت الغارديان عن شقيقين يعيشان في إعزاز، أنهما نقلا إلى معسكر في عفرين منتصف الشهر الماضي، عن طريقة “فرقة السلطان مراد” بهدف إلحاقهما بنقاط مراقبة لمنشآت النفط والغاز في أذربيجان بعقود لثلاثة أو ستة أشهر، مقابل راتب شهري يتراوح بين 700 و1000 دولار.

وانتشرت تسجيلات مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر مسلحين سوريين داخل سيارات نقل على أحد الطرق في أذربيجان وهم يرددون أناشيد حربية.

كما نقلت وكالة رويترز للأنباء عن مقاتلين ينتمون لجماعات معارضة مدعومة من تركيا في مناطق شمال سوريا أنهم في طريقهم إلى أذربيجان بالتنسيق مع أنقرة، وسيحصلون على حوالي 1500 دولار شهريا مقابل ذلك.

وقال مقاتل من جماعة أحرار الشام المدعومة من تركيا للوكالة “لم أكن أرغب في الذهاب، لكن ليست لدي أي أموال، الحياة صعبة للغاية والفقر مدقع للغاية”.

وكان سفير أرمينيا في موسكو قد أكد أن تركيا أرسلت نحو 4000 مقاتل من شمال سوريا إلى أذربيجان وهم يقاتلون هناك.

عبدالله.. ومثله كثيرون

“لم أكن أعلم أننا ذاهبون للقتال” بهذه الكلمات افتتح عبدالله “اسم مستعار” حديثه مع مراسل بي بي سي العربية على أحد تطبيقات الدردشة.

وكان يرسل إجاباته على عجل من تجمع عسكري تابع لجيش أذربيجان على الحدود مع أرمينيا، لكي لا يشعر به أحد في التجمع الذي فرضت فيه رقابة صارمة على المقاتلين.

ومثل معظم سكان الشمال السوري الذين يرزحون تحت الاحتلال التركي، ويعانون من أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، قبل عبد الله بوظيفة في أذربيجان مقابل 2000 دولار شهريا لتحسين ظروف معيشته وأسرته، لكنه لم يكن يعرف ما الذي كان ينتظره هناك.

القتال أو السجن

عنما بدأ القتال يقول عبدالله: “شحنونا في ناقلات جند، كنا نرتدي زيا آذريا، وكل شخص منا كان مسلحا بسلاح فردي.. أغلب الناس هنا مدنيون فقراء وليسوا عسكريين، وكانوا يرغبون في بالمال لا بالقتال.

توقفت السيارة وفوجئنا أننا على خط النار، لم نعلم حتى بمكان العدو، ثم سقطت بجانبنا قذيفة فقتل أربعة سوريين وجرح ثلاثة آخرون”.

ويضيف عبدالله أنه في التجمع العسكري الذي يقيم فيه، رأى جثامين عشرة أشخاص سوريين، في حين أصيب سبعون آخرون لا تتوفر لهم الرعاية الصحية اللازمة.

وتحول حلم هؤلاء السوريين، من الحصول على ألفي دولار كل شهر، إلى مواجهة الموت كل لحظة، وعندما طالبوا بالرجوع إلى بلدهم، هددوهم بالسجن، يقول عبدالله: “بعد بدء الحرب حاولنا إبلاغ القادة هنا أننا نريد العودة إلى سوريا ولكن منعونا، وهددونا بالسجن لمدة طويلة إن لم نذهب للقتال على الجبهات”.

تقرير/ لطفي توفيق