لكل السوريين

وردة على ضريح فنان

لطفي توفيق

منذ وقت ما زلت أذكره..

كنت في جلسة حوار مع فنان فلسطيني..

يقف على أبواب السبعين.. أو يتربع على عرشها..

أو يتجاوزها بقليل.

وما إن ذكر دور الفن في المقاومة، وكنّا على أبواب ذكرى النكبة..

حتى ترقرقت من عينيه دمعة..

لم يتمكن من إعادتها أو إخفائها..

وأبت هي مغادرة مآقيه.. وكأنها مركب يرسو بعناد على شواطئ حيفا.

رأيت في هذه الدمعة كبرياء النسر.. وتوقه إلى قمته..

وحنين النورس إلى زرقة البحر.. وتراقص أمواجه..

رأيت فيها أزهار برتقال يافا.. وخضرة هضاب الجليل.. وشموخ قمم الجرمق..

وصهيل كثبان النقب.. وتقافز العصافير في مروج تل الربيع.

وسمعت درويش يغني.. وإنا نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا..

وكمنجات درويش.. يتردد صداها في شوارع القدس العتيقة.

وسمعت القاسم يصرخ.. من آمن بالله يقيناً.. آمن بالإنسان.

قطع شرودي صوته واثق النبرة.. وعميق الحزن..

وكأنه آت من عصور قادمة:

سأعود.. سأعود حتماً.. لا علاقة لي بما يقال.. سأعود.. وسترى ذلك، أو تسمع به.

وبانكسار.. تراجع معه بريق عينيه.. واختفت الدمعة:

وإذا فعلها القدر قبل ذلك.. سيعود ولدي.. أحد أولادي..

أو.. أو أحد أولاده.

شعرت بأن الرجل الجالس في مواجهتي قد غادر فلسطين منذ أقل من ستين يوماً..

لا أكثر من ستين عاماً.

رأيت الحكايات المزورة تتساقط من الكتب الصفراء..

وتتساقط معها أنياب قتلة الأطفال ومخالبهم

ويجرفها نهر الأردن إلى غير رجعة.

ورأيت غابة من الزهور تنبت من جراح ابن الناصرة..

وهو يترجل عن صليبه ليدعو إلى المحبة السلام.

واجتاحت ذاكرتي صورة طفل يقذف الدبابة بحجر..

وامرأة تودع ابنها الشهيد بدمعتين.. ووردة.

وفتاة بعمر الزهور تغني له.. والله لأزرعك بالدار.. يا عود اللوز الاخضر.

فأية قوة قادرة على اغتيال الحلم في الدم الذي يقهر السيف.

وفي الأغنية التي تنتصر على الحقد.

وأية قوة قادرة على اغتيال الحلم في عيون هذا الرجل السبعيني!

أو في عيون أولاده.. وأحفاده.

وها هو القدر قد فعلها..

عبد الرحمن أبو القاسم.. لروحك السلام..

وعلى ضريحك وردة.