لكل السوريين

لبنان ومآلات ما بعد الانفجار

حسن مصطفى

إن من يتابع الوضع اللبناني منذ اللحظة الأولى لوقوع الانفجار المدمر الذي أصاب قلب العاصمة اللبنانية بيروت وميناءها بتدمير شبه شامل؛ يدرك أن الانفجار هو المقدمة الأولى لشيءً أكبر بالتأثير والعمق من الانفجار ذاته، فبالرغم من هول الصدمة والخسائر الجسيمة التي أصابت الشعب اللبناني إلا أن الانعكاس الرسمي لهذا الانفجار كان خجولاً، وردود فعل الحكومة كانت مبعث استهجان واستنكار، باستثناء بعض المواقف الفردية التي جاءت كتغريدات خارج السرب الحكومي.

ولكن فيما بعد اضطرت الحكومة تحت ضغط الشارع اللبناني الثائر والرافض لكل المنظومة السياسية الرسمية إلى تقديم استقالتها وتكليفها بمتابعة تسيير الأمور لحين تشكيل الحكومة الجديدة، وفق نظام المحاصصة، الذي بات الشارع اللبناني رافضاً له جملةً وتفصيلاً.

ولكن اللافت للانتباه والاهتمام هو حجم الاهتمام الدولي ومستوى ردود الفعل العالمية وسرعة استجابتها لتقديم كل أشكال العون والمساعدة الاستخبارية والاقتصادية والطبية للبنان، حيث شرعت العديد من الدول بمد جسور جوية نقلت ولا زالت خلالها المئات من أطنان المساعدات وبشكلٍ يستدعي طرح العديد من الأسئلة والاستفسارات التي نجزم بأننا لن نتلقى لها الاجابات الكافية والمقنعة في الأمد القريب.

فكل المؤشرات والقراءات المنطقية لما جرى ويجري على الساحة اللبنانية منذ لحظة الانفجار يشير إلى أن هناك تأريخاً لبنانياً جديداً، فلبنان قبل الانفجار ليس كلبنان ما بعد الانفجار، وأن قواعد  اللعبة التي كانت تجري على الأرض اللبنانية قد تغيرت بعد أن شعر الغرب بأن اللاعب الآخر مثلاً بإيران وأداته التنفيذية المحلية حزب الله اللبناني والمرتبط عضوياً بها قد تجاوز تلك القواعد، ظناً منه وباعتقاد خاطئ ومتسرع وغير واقعي؛ أنه قد بلغ من القوة والتأثير السياسي والنفوذ في المنطقة ما يؤهله للعب منفرداً والتحكم بقراراتها السياسية، لأن ما كان متاحاً له من حرية الحركة والتصرف لم يكن سوى الهامش الذي كان مرسوماً له، ومحددا بعناية شديدة، وعند خرقه وتجاوز الهامش المتاح له فإنه قد وقع في المحظور الذي يعاقب عليه، وقد آن أوان المحاسبة والعقاب، وإعادة برمجة الواقع اللبناني كغيره من مناطق الشرق الوسط الجديد، وفق أسس ومعايير واستراتيجيات تتطلبها الحقبة الجديدة من نظام العولمة الذي بدأت ملامحه تتضح بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وهيمنة نظام القطبية الواحدة على العالم.