لكل السوريين

الإشاعة والحرب الخاصة

من المعلوم أن الاشاعة كانت ومازالت تعتبر من أهم أساليب الحرب الخاصة الحديثة وأخطرها، نظراً لكونها ذات تأثير كبير من جهة، ومن جهةٍ أخرى لا تحتاج إلى تكاليف كبيرة كغيرها من وسائل الحرب الأخرى، وهذا الأسلوب الجديد من أساليب الحرب الحديثة يقوم على إدارته خبراء ومختصين في الإعلام والحرب النفسية التي تستهدف الشعوب والمجتمعات للخصوم، وذلك بعد أن يفشل العدو في مواجهته العسكرية على جبهات القتال من أجل إحداث خرق أو خلل أو شرخ في دفاعات الخصم الشعبية إن جاز التعبير، ومن ثم توسيع ذلك الشرخ وتطويره بغية تحطيم الخصم من الداخل وإسقاطه.

وهذا بالضبط ما يحدث في مناطق الادارة الذاتية في شمال شرق سورية التي أثبتت الوقائع والأيام أنها قادرة على إدارة المنطقة بجدارة، وقد اجتازت وبنجاح أصعب الاختبارات خلال العام المنصرم، وكان أخطرها التهديد والعدوان التركي الذي كان الكثيرون يراهنون على أنه سيأتي بمثابة الضربة الفنية القاضية التي ستأتي على حلم ومشروع الادارة الذاتية في شمال شرق سوريا.

ولكن كانت نتائج العدوان لا كما يشتهي أعداؤنا، بل كانت تلك النتائج بمثابة الصدمة التي جعلت الكثيرين من أعداءنا وأصدقاءنا على حدٍ سواء يعيدون النظر برؤاهم الاستراتيجية للمنطقة، وتحالفاتهم التكتيكية، آخذين بعين الاعتبار الحقيقة التي تقول أن ما هو قائم في شمال شرق سوريا من تجربة جديدة في الحكم والادارة باتت واقعا لا يمكن لأحد أن يتجاهله ورقما مهماً في معادلات الأزمة السورية والسياسة الاقليمية والدولية.

أما الاختبار الآخر الذي لا يقل خطورةً عن سابقه؛ فهو جائحة كورونا التي جعلت كثير من دول العالم المتقدم يترنح جراء تفشيها في تلك البلدان، في حين أن مناطق الادارة الذاتية في شمال شرق سوريا استطاعت وبفضل السياسات الوقائية والتدابير الناجحة أن تجتاز هذا الاختبار الصعب، وتثبت أنها على مستوى عال من القدرة والكفاءة في مواجهة الأخطار الناجمة عن هذه الجائحة، وقد نجحت في هذا الاختبار أيما نجاح.

وإزاء هذه النجاحات التي حققتها الادارة الذاتية وما سبقها من نجاحات في المضمار الاقتصادي والخدمي والسياسي؛ لم يكن أمام أعداؤنا سوى اللجوء إلى الأساليب الرخيصة والأدوات المأجورة يدفعها وهمها بإمكانية تحقيق أهدافها الشريرة.

فباتت تطلق الشائعات المغرضة والخبيثة حول مصير بعض مناطق الإدارة الذاتية وإمكانية التفاوض بشأنها مع الحكومة السورية في دمشق، والغاية من وراء كل تلك الإشاعات هو زعزعة الثقة بين الإدارة وأبناء تلك المناطق، وإيهام البعض أن تلك المناطق سيصار إلى تسليمها للحكومة السورية مقابل مناطق أخرى أو امتيازات، وهذا الأمر سبق للإدارة الذاتية ولجناحيها على السواء العسكري ممثلا بقوات سورية الديمقراطية والسياسي ممثلاً بمجلس سورية الديمقراطية؛ قد أكدا مراراً وتكراراً بأن لا مساومة ولا تفاوض على أي شبر من أرض شمال شرق سوريا، إلا في إطار تسوية سياسية شاملة مستندة إلى المرجعية الدولية يمثلها القرار الأممي 2254، الذي أجمع عليه السوريين كخيار أمثل ينهي معاناة السوريين في كل الجغرافية السورية، ويلبي طموحات كل السوريين ويحفظ حقوق وخصوصية جميع المكونات السورية، ومراعياً حجم التضحيات والدماء التي قدمها كل السوريين.

من هنا فإننا كسوريين أولا ومن أبناء شمال شرق سوريا ثانيا؛ ينبغي أن نكون على مستوى المسؤولية في مواجهة مروجي تلك الإشاعات المغرضة، وعلينا أن نضرب بيد من حديد على يد كل يعمل على إطلاق ونشر وترويج تلك الشائعات لما لها من آثار خطيرة على أمن واستقرار المجتمع، ولا تصب في النهاية إلا في خدمة أعدائنا أعداء الأمن والأمان والاستقرار أعداء الحرية والسلام.