لكل السوريين

الثقافة هي العقل والالتزام الأخلاقي

مما لا شك فيه أن صيغة “مثقف” باتت اليوم من أكثر الصيغ تداولاً وانتشاراً بين الجمهور. فلا يكاد يمر يوم دون أن يستخدم كلمة “مثقف”، بالرغم من أننا كثيراً ما نخلط بين المتعلم وبين المثقف، وهذه أحد أهم المشكلات التي نعاني منها، فماهية (الثقافة) كانت وما تزال تثير جدلاّ وإشكالاً لدى الباحثين والمفكرين، كما لدى عدد من الاتجاهات الفكرية، وقد تكون تلك الإشكالية وراء صعوبة تحديد ذلك المصطلح ووراء صعوبة الاتفاق بشأنه..

وقد أشتق مصطلح (ثقافة من الكلمة اللاتينية (CULTER) التي تعني حراثة الأرض والتربة وزرعها، وعلاقة الحراثة والأرض بالثقافة يوضحها علماء (الأنثروبولوجيا)، إذ يقولون عندما أعاد الإنسان الثقافة إلى الفأس والقوس والرمح وإشعال النار وصناعة الحراب وما إلى ذلك، ويضيف العلماء بقولهم (.. إنها ذلك الكل المركّب الذي يشتمل على المعرفة والأخلاق والفن والقانون والعادات وغيرها من القدرات التي اكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع). وقد نالت هذه النظرية أغلب علماء الإنثربولوجيا الذين قالوا، أن الثقافة هي نمط الحياة أو أسلوبها الذي تؤسسه أية جماعة بشرية، وغالباً ما يكون هذا النمط مقبولاً بصورة عامة بين الأفراد، كآداب السلوك والمعتقدات والأزياء وما إلى ذلك مما يشكل هوية هؤلاء.

لكن هناك عالم اسمه (ل.هوايت) قال أن الثقافة بشكل عام تعني السلوك الإنساني، وذلك من خلال نظريته الرمزية، فالإنسان عنده (هو الكائن الوحيد الذي ابتكر جهازاً رمزياً جعله لا يكتفي بما يأخذه من الطبيعة الخام وإنما يعيد تمرير ذلك الخام على جهازه الرمزي.)..

ونظراً لتعدد التعريفات المعنية بالثقافة لدى العلماء، والتي أنها تجاوزت المائتي تعريف وأكثر، فالثقافة بمعناها الواسع هي كل السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز كل مجتمع عن الآخر، أو فئة اجتماعية عن الأخرى، وهي تشمل أيضاً الفنون والآداب وطرق وأسلوب الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات.. وإذا بحثنا عن معنى هذه الكلمة في المعاجم اللغوية العربية نجد أنها تجمع على أن مصدر كلمة (مثقف) من الفعل الثلاثي ثقف، فثقف الشيء ثقافة أي حذق به فأصبح ماهراً، وتثقيف الرماح بمعنى إقامتها وصقلها، وكل مثقف معتدل، وقيل ثقّفت القناة إذا أقمت عوجاً فيها، بينما الثقافة عند (ابن خلدون): (بأنها (الدراية الجيدة بكل ما يتعلق بمجال من المجالات فكراً وممارسة).

ومما سبق نستخلص أن الثقافة مفهوم واسع يمكن اختصاره على هذا النحو: (هي كل السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميّز كل مجتمع على حدة، أو كل جماعة بعينها، وهي تشمل بشكل عام الفنون والآداب وطرق وأسلوب الحياة). وبحسب إعلان مكسيكو، إن الثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته، وهي التي تجعل منه كائن يتميز بالإنسانية التي تؤكد ذاتها في العقل والالتزام الأخلاقي، فعن طريقها نهتدي للقيم العليا، ومن خلالها نمارس اختياراتنا، فهي المرآة الوحيدة التي تكشف الإنسان أمام ذاته.

بمعنى أن الإنسان هو الكائن الوحيد على الأرض القادر على صنع ثقافته، والحفاظ عليها، وهذا ما يجعل الثقافة أحد أهم الملامح الإنسانية.. إذا كان تعريف الثقافة على هذا النحو، فمن هو المثقف إذاً، ومتى يستحق إطلاق تلك الصفة عليه؟

من المؤكد أن تحديد صفة “مثقف” تلاقي نفس الصعوبة، لذا يؤكد البعض من الباحثين أن المثقف هو الذي يمكنه تغيير المجتمع بفكره، أو الذي يمكنه العمل لصالح عدد من القطاعات المتعددة في المجتمع، أو المتميز بموهبة النقد العلمي والاجتماعي بغرض التقويم والإصلاح.