تجد الحكومة اللبنانية نفسها مجددًا أمام اختبار صعب للحفاظ على سياسة “النأي بالنفس” في ظل التصعيد العسكري المتسارع بين إسرائيل وإيران، والذي بلغ ذروته مع دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة، وسط مخاوف داخلية من أن يدفع حزب الله بلبنان إلى مواجهة مفتوحة لا طاقة له بها.
منذ الهجوم الإسرائيلي الواسع على منشآت نووية ومواقع عسكرية في إيران، من بينها فوردو ونطنز وأصفهان، ورد طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة باتجاه أهداف إسرائيلية، يعيش لبنان على وقع القلق من احتمال تحوّل أراضيه إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية.
في هذا السياق، شدد رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزيف عون، في بيان رسمي صدر عن الرئاسة في بيروت، على أن “لبنان لا يستطيع تحمّل كلفة نزاع جديد، وأن مصلحته الوطنية العليا تقتضي البقاء خارج الصراع القائم.” وأكد عون أن “التصعيد الجاري ينذر بتوسّع خطير للمواجهات، وقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة بأسرها، بما فيها لبنان.”
وأشار البيان إلى أن لبنان يتواصل مع عدد من العواصم الفاعلة، بينها باريس وواشنطن، لتأكيد التزامه بسياسة الحياد، ولطلب الضغط على الأطراف الإقليمية لضبط النفس وتجنّب انزلاق الأوضاع نحو حرب شاملة.
في المقابل، لا يزال موقف حزب الله غامضاً حيال التصعيد الأخير، حيث لم يصدر عنه أي تصريح رسمي بشأن الانخراط المباشر في الرد الإيراني، رغم وجود تحركات ميدانية له على الحدود الجنوبية، وتزايد وتيرة الاشتباكات المحدودة مع الجيش الإسرائيلي منذ بداية يونيو.
وكانت الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، والتي اندلعت إثر تصعيد على الحدود في أكتوبر 2023، قد خلّفت آثارًا مدمرة على لبنان، حيث قُتل أكثر من 4,000 شخص وجُرح نحو 17,000، فضلًا عن نزوح أكثر من 300,000 مدني من الجنوب، وفق تقارير منظمات أممية.
ورغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في أواخر نوفمبر 2024، إلا أن الانتهاكات الإسرائيلية اليومية للأجواء اللبنانية، وعمليات القصف المتقطعة، أضعفت الثقة في استمرار الهدنة.
ويشهد الداخل اللبناني انقسامًا حادًا في التعاطي مع الأزمة الراهنة؛ ففي حين تدعو الحكومة وأطراف سياسية عدّة إلى تحييد لبنان عن صراع المحاور، ترى قوى محسوبة على حزب الله أن ما يجري هو “جزء من معركة الدفاع عن محور المقاومة”.
وفي ظل تصعيد الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران منذ 13 يونيو الجاري، تتزايد المخاوف من أن أي خطأ في الحسابات أو عملية أمنية غير محسوبة قد تشعل جبهة الجنوب مجددًا، ما يضع البلاد أمام سيناريو كارثي جديد.
وإزاء هذا الواقع، تجد القيادة اللبنانية نفسها مطالبة أكثر من أي وقت مضى بممارسة أقصى درجات الحذر والدبلوماسية، للحيلولة دون تكرار سيناريوهات الحرب والدمار التي لطالما دفع الشعب اللبناني ثمنها الباهظ.