في عالمٍ تحكمه الأرقام وتُقيَّم فيه المواهب بملايين اليوروهات، يطلّ علينا وجه فتىً لم يكد يبلغ الثامنة عشرة، وقد ارتقى بسكونه وثباته إلى مصافّ الكبار. إنه لامين يامال، الفتى الإسباني ذو الملامح الطفولية والحضور الآسر، الذي قفزت قيمته السوقية إلى 180 مليون يورو، ليحلّ ثالثاً في قائمة أغلى لاعبي العالم، خلف إرلينغ هالند وفينيسيوس جونيور، وكأنه يقول للعالم: الطفولة ليست عائقاً، بل منصة انطلاق.
في عمر السابعة عشرة، يقف يامال في موقع لم يصل إليه كثيرون في خريف أعمارهم الرياضية. انطلقت حكاية هذا الفتى من أسوار أكاديمية “لا ماسيا”، الحاضنة التي تنحت من الطفولة إبداعاً، لكنه لم يكتفِ بكونه أحد خرّيجيها. بل سرعان ما أثبت أنه ليس موهبة عابرة في زحمة الأسماء، بل ظاهرة كروية متكاملة، تجمع بين البراعة الفنية والنضج الذهني، وبين الذكاء التحركي والإيمان العميق بالذات.
منذ لحظاته الأولى مع الفريق الأول لبرشلونة، كان حضوره لافتاً. لم يسرق الأضواء بصرخات أو استعراض، بل بأداء هادئ ينمّ عن عقل يُفكّر قبل أن تُحرّك القدم الكرة. مساهماته الحاسمة في مباريات كبيرة، وتألّقه في لحظات ضغط خانقة، جعلاه عنصراً لا غنى عنه في منظومة برشلونة الحديثة، ورسّخ مكانته كأحد محاور المستقبل.
ويمتدّ هذا النضج الفني والنفسي إلى الساحة الدولية، حيث أصبح يامال أصغر من يسجل بقميص المنتخب الإسباني. وكأنما يحمل في قدميه رسالة عن جيل جديد لا ينتظر إذناً ليعبّر عن نفسه، بل يفرض حضوره بأداء يحرّك مشاعر الملايين ويعيد تعريف حدود الممكن.
إن الارتفاع الهائل في قيمته السوقية لا يُقاس فقط بجودة لمساته أو عدد أهدافه، بل يرمز أيضاً إلى قيمة نادرة في هذا الزمن؛ موهبةٌ تتجاوز حدود الجغرافيا، وعقلٌ يُدير رجليه قبل أن تركض خلف الكرة، وشخصيةٌ لم تُربكها الأضواء، بل جعلت منها وسيلة للنضج.
وقد أدرك نادي برشلونة أهمية هذه الجوهرة مبكراً، فسارع إلى تجديد عقده حتى صيف 2031، مع شرطٍ جزائي مذهل يصل إلى مليار يورو. ليس فقط لحمايته من مطامع الأندية الأخرى، بل لبعث رسالة مفادها: نحن نؤمن بهذا الفتى، ونبني مستقبلنا على قامته، رغم حداثة سنّه.
لامين يامال ليس مجرد اسم يتصدّر العناوين، بل ظاهرة تُحاكي الحلم، وتستنهض فينا جميعاً الإيمان بأن النبوغ لا يعترفُ بالسن، وأن الطفولة حين تقترن بالشغف والعمل، قادرة على أن تغيّر قواعد اللعبة.