لكل السوريين

تحقيق لـ”بي بي سي” يكشف شبكات خارجية تحرض على الطائفية في سوريا

كشف تحقيق استقصائي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” عن وجود شبكات حسابات خارجية منظمة تنشط على منصة “إكس” تعمل على تأجيج الطائفية في سوريا، ونشر خطاب الكراهية، إلى جانب ترويج معلومات مضللة حول الأوضاع الداخلية في البلاد.

وتوصّل التحقيق إلى أن هذه المنشورات مرتبطة بحملات تضليل ممنهجة وخطاب كراهية منظم، نُشر من قبل منتقدي ومؤيدي سلطة دمشق على حد سواء.

وأوضح التحقيق أن هذه الشبكات لا تتحرك بعشوائية، بل تُدار بشكل منسّق ومنهجي ضمن حملات إلكترونية واسعة تستهدف سلطة دمشق وبعض الأقليات، بالتزامن مع التغيرات السياسية المتسارعة على الساحة السورية.

وقد تمكّن فريق “بي بي سي” لتقصي الحقائق من تتبّع نشاط هذه الحسابات من خلال رصد أكثر من مليوني منشور مرتبط بالأحداث في سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد، حيث تم تحليل عينة واسعة شملت أكثر من 400 ألف منشور على منصة “إكس”.

واستخدمت هذه الشبكات أساليب تلاعب رقمية متطورة، شملت تفعيل الحسابات الوهمية والبرمجية، واستغلال خوارزميات المنصة للهيمنة على الخطاب الإلكتروني. كما لجأت إلى تكتيكات مثل النشر المتزامن، إعادة استخدام محتوى قديم، ونسج روايات ملفقة ذات طابع تحريضي ومؤثر.

نماذج من التضليل والتزوير

أورد التقرير أمثلة على المنشورات المضللة، منها ادعاء كاذب نُشر في 9 آذار حول إعدام كاهن كنيسة مار إلياس على يد عناصر سلطة دمشق، وهو ما تبين لاحقاً أنه غير صحيح بعد نفي رسمي من الكنيسة. ورغم ذلك، انتشرت المنشورات المتطابقة على نطاق واسع خلال أقل من ساعة.

كما استُخدم مقطع فيديو قديم يعود إلى عام 2013، زُعم أنه يُظهر رجلاً يدمّر تمثالاً للسيدة مريم العذراء، على أنه مرتبط بأحداث جارية في كانون الأول 2024. وقد روّجت لهذا الفيديو حسابات متمركزة في العراق، تُعرف بنشاطها في دعم قيادات شيعية، ما أثار موجة غضب واسعة على منصات التواصل.

وكشفت “بي بي سي” عن مؤشرات واضحة على التلاعب المنسّق، تمثّلت في التشابه الزمني بين المنشورات، وتسلسل الأسماء الرقمية للحسابات مثل “قاصف 1″ و”قاصف 2” و”قاصف 3″، ما يدل على استخدام حسابات آلية ضمن حملات منظمة لإغراق النقاشات.

كما لاحظ الفريق تكراراً في أنماط الأسماء، إذ تحمل العديد من الحسابات مزيجاً عشوائياً من الحروف والأرقام، وهي سمة شائعة في الحسابات الوهمية المُعدّة خصيصاً لخدمة أغراض التضليل الرقمي.

إلى جانب الحملة المناهضة، رصد التحقيق أيضاً حملة موازية مؤيدة لرئيس سلطة دمشق أحمد الشرع، تضمّنت أكثر من 80 ألف منشور مصدرها الأساسي حسابات تنشط في تركيا والسعودية. استخدمت هذه المنشورات خطاباً موحداً لتقديم الشرع كقائد إصلاحي، في نمط يُشبه تماماً الحملات المعادية.

وأشارت “بي بي سي” إلى وجود تشابه في أساليب التضليل المستخدمة في كلا الحملتين، مع تكرار المحتوى، واستخدام الأتمتة، ونشاط مريب يُثير الشكوك حول عمليات تضخيم إلكترونية منظمة.

تحريض على العنف ضد العلويين

في جانب آخر، بيّن التحقيق وجود شبكة واسعة من الحسابات التي تنشر خطابات كراهية وتحريض مباشر ضد الطائفة العلوية في سوريا.

ومنذ تشرين الثاني 2024، رصد فريق “بي بي سي” أكثر من 100 ألف تعليق على منصة “إكس” تضمّنت عبارات طائفية، واتهامات مباشرة للعلويين بـ”الكفر”، و”الإجرام”، و”الانتماء لطغمة فاسدة”. وتم تحديد المواقع الجغرافية لغالبية هذه الحسابات في السعودية وتركيا.

وردّت كلمة “كفّار” في أكثر من 50 ألف تعليق، بينما استُخدمت كلمة “مجرمون” في أكثر من 48 ألف مرة، في دلالة على استهداف ممنهج.

وفي سياق متصل، وخلال أحداث العنف التي شهدتها مدينة جرمانا بريف دمشق في أبريل الماضي، رُصدت حملة تضليل استُخدم فيها تسجيل صوتي مفبرك نُسب إلى أحد مشايخ الطائفة الدرزية، الشيخ مروان كيوان، يتضمن إساءات للرسول محمد.

وقد تسبب التسجيل الملفق في اندلاع اشتباكات عنيفة في المنطقة، أسفرت عن قتلى وجرحى. ونفى الشيخ مروان بشكل قاطع علاقته بالتسجيل، مؤكداً أن الهدف من فبركته هو زرع الفتنة وتأجيج العنف بين مكونات المجتمع السوري. وأكدت وزارة الدفاع التابعة لسلطة دمشق أن التسجيل مزوّر ولا يمت للمذكور بأي صلة.

وفقاً لتحقيق “بي بي سي”، فإن الخطاب الطائفي شهد تصاعداً ملحوظاً، حيث تنشط الحسابات التحريضية بشكل مكثف تزامناً مع كل موجة عنف، مما يعزز احتمالات وجود تنسيق مبرمج يهدف إلى تفجير النسيج الاجتماعي السوري.