تقرير/ خالد الحسين
شهد سعر طبق البيض تراجعاً ملحوظاً وصل إلى النصف خلال فترة محدودة والأسباب كثيرة أهمها قلة الطلب عليه خلال شهر رمضان وتحسن سعر صرف الليرة السورية نوعاً ما، وكان قد وصل سعر الطبق الواحد إلى ستين ألف ليرة، ويباع اليوم وسطياً بين 28 إلى 30 ألف ليرة سورية (2،8 إلى 3 دولار) في محلّات بيع التجزئة، لكن تجارته تخضع، مثلها مثل غيرها، لبورصة العرض والطلب التي تتحكم بجميع المنتجات في المدينة.
عشاء بسيط مكوّن من البيض المقلي اليوم لا يتجاوز ثمنه سعر “صندويشة فلافل واحدة”، وهو ما أخبرنا به من تحدّثنا معهم، إذ أزيل البيض من قائمة “الشكاية” اليومية من الأسعار المرتفعة بعد سقوط نظام الأسد، ساهم في ذلك دخول شهر رمضان، إذ لا يندرج البيض ضمن قائمة أطعمة الشهر الفضيل.
من ألفي ليرة إلى ألف ليرة سورية، خسرت البيضة الواحدة نصف ثمنها اليوم عمّا مرّت به خلال أشهر سابقة، دون القدرة على تحديد سعر ثابت، إذ يتحكّم بسعر البيض، سابقاً، تجّار، وأجور النقل ورسوم وإتاوات الفرقة الرابعة التابعة لقوات نظام الأسد، والإقبال على بيعه خوفاً من التلف.
رحلة البيض من المدجنة إلى المستهلك، تمرّ بمراحل عديدة، لا يمكن حساب الربح والخسارة فيها بدقّة، لكن تجاراً محددين يتحكمون بأسعارها، مع غياب واضح للرقابة التموينية، كذلك لدراسة حقيقية تجمع بين السعر المناسب لأصحاب المداجن والمستهلك في آن معاً، تتدخل فيه الحكومة لدعمهما معاً، والذي توقف منذ عام 2020.
ضمن مدينة حلب أغلقت معظم المداجن أبوابها على مراحل، ولم يبق سوى عدد محدود لا يغطي حاجة السوق، ما حوّل وجهة التجار إلى أرياف حلب، خاصة مدينة الباب شرقي المدينة.
مساء كل سبت وضمن سوق مركزي في مدينة الباب يتجمع عدد كبير من تجار البيض منهم خمسة إلى ستة تجّار يمثلون أكبر تجّار للبيض في حلب، بما يعرف بـ “بورصة البيض”.
يحضر التجار مزاد السبت ويغيب البيض الذي تحضر عينات منه من قبل أصحاب المداجن خوفاً من تكسّره، وفي مشهد تقليدي يبدأ المزاد على البيض لتثبيت سعره، أحياناً ضمن “تواطؤ بين التجار”، حسب من تحدثنا معهم.
بعد أن يرسو المزاد بأعلى سعر على أحدهم، يعتبر هذا السعر هو سعر البيض لهذا الاسبوع لدى عموم المداجن، تنقل الكميات المشتراة من المداجن إلى مستودعات سميكة الجدران (خانات)، تمتاز بالبرودة، خوفاً عليه من التلف.
تطرح الكميات في الأسواق، ويشتريها موزّعون يقومون ببيعها لمحلات المفرق، بهامش ربحي بسيط.
قبل دخول شهر رمضان سجّل مزاد “بورصة البيض” لدزينة البيض (12 طبق) سعراً وصل إلى 30 دولاراً، أي نحو 25 ألف ليرة سورية للطبق الواحد من أرض المدجنة، وتراجع سعرها حالياً إلى 28 دولاراً، أي نحو 23 ألف ليرة للطبق الواحد.
يفرّق التجار بين نوعين من البيض، “الستاندر” وهو طبق بيض بوزن 2 كيلو غرام تقريباً، ونوع آخر يزن 1750 غراماً، ويباع بأقل من سعر الطبق “الستاندر” بنحو 4 آلاف ليرة سورية.
يزود تاجر البيض بالجملة الموزعين الذين يستلمون البيض من مستودعاته ويوزعونه بسياراتهم، بحسب من تحدثنا معهم، ضمن هامش ربح يصل إلى ثلاثة آلاف ليرة سورية على كل طبق، ويختلف سعره في البيع بالمفرق للمواطنين بين بائع وآخر ومنطقة وأخرى، فمنهم من يربح بالطبق الواحد من ألف الى ثلاثة آلاف ليرة، ويصل طبق البيض أخيراً للمواطن بسعر ما بين 28 ألف إلى 30 ألف ليرة، بوزن 2 كغ، وهو ما يفسرّ اختلاف سعر طبق البيض بين محلّ وآخر، إذ لا تسعيرة محددة أسبوعية تفرض على الجميع.
“هي بورصة” يقول أحد كبار تجّار البيض في حلب، ولا يمكن حسابها بدقة، إذ يضطر التاجر أحياناً في الصيف الحار للبيع بأقل من سعر المزاد تجنباً لتلف البيض وبالتالي الخسارة الكبيرة، لكنّ أسلوباً آخر يتبعه تجّار لتحقيق ربح “كبير” يرفع أسعار طبق البيض في المدينة.
يشرح التاجر ذلك بقوله “يشتري تجار على سبيل المثال كميات كبيرة من البيض من مزاد السبت وبسعر 28 دولاراً للدزينة، ويقومون بتخزينه، وطرح كميات قليلة في السوق، مما يزيد الطلب على المادة، وفي مزاد السبت الذي يليه يزاود التجار ارتفاعاً ويرتفع السعر إلى أكثر من 30 دولاراً، ويرتفع سعر المخزون الكبير السابق لديهم (دولارين مثلاً للدزينة الواحدة)، ما يوفر ربحاً كبيراً للتاجر”.
تتكرر هذه العملية من فترة لأخرى، وهو ما يفسّر ارتفاع ثمن طبق البيض المفاجئ بالنسبة للمواطن، وهو ما يجعل تجار في مدينة حلب يتحكمون بأسعاره.
تغيب الرقابة والمؤسسات الحكومية عن دعم وتحديد أسعار المنتجات المحلية، ومنها البيض، يقول صاحب مدجنة “الخسارة الأكبر تقع على عاتق أصحاب المداجن، إذ تباع منتجاتهم في المزادات دون تقدير التكلفة من ربح وخسارة، إذ لا يمكن لهم إبقاء منتجهم مخزّناً لتعرضه للتلف”.
ويضيف “قبل عام 2020 كان أصحاب المداجن يحصلون على مخصصات مدعومة من مازوت للمولدات وسحب الماء وخلط وجرش الأعلاف، كذلك على فحم حجري للتدفئة ومقنن علفي بسعر مخفض، وإعفاء ضريبي كامل، لكن هذه المزايا تراجعت حتى توقفت نهائياً في عام 2024”.
في الوقت الحالي تغيب كل هذه المزايا من قبل سلطة دمشق أيضاً، وهو ما يضطر أصحاب المداجن لشراء ما يحتاجونه بسعر السوق ودون إعفاء ضريبي، ما سيرفع أسعار البيض أو يجبر أصحاب المداجن على إغلاقها.
يرى صاحب المدجنة أن تكلفة ونفقات المداجن في سوريا تزيد أو توازي تكلفتها في الدول المجاورة، في الوقت الذي يباع البيض فيها بأسعار أقلّ، إذ يصل سعر طبق البيض في تركيا، على سبيل المثال، إلى نحو أربعة أو خمسة دولارات، وهو تقريباً ضعف سعره في سوريا.
معادلة الربح والخسارة في سوريا شائكة، إذ أن ربح المدجنة يقابله خسارة المواطن، بسبب ضعف قدرته الشرائية، في المنتصف تجّار يتحكمون بسعر السوق، وإجراءات حكومية غائبة.