لم يكن لبعض السوريين ذنبٌ على امتداد الجغرافية السورية أن غابت عنهم مجريات أحداث انتفاضة 12 آذار في مدينة القامشلي 2004، إذ أن النظام ذاته الذي قمع الشعب السوري على مدار قرابة عقد ونصف من الثورة السورية، هو ذاته من حاول تغيير الصورة والحقيقة وإيهام السوريين أن ما حدث في مدينة القامشلي “عصيان على الدولة” وليس انتفاضة شعبية.
وكسرت انتفاضة القامشلي عام 2004 حاجز الخوف والرعب من السلطة، وإجرام أجهزتها الأمنية بحق أي ثائر أو رافض لسياسات البعث الذي حكم بالنار والحديد لأكثر من خمسة عقود، استطاعت الانتفاضة الشعبية في القامشلي رسم معالم الثورة التي يقوم بها أفراد من الشعب ويشارك فيها آخرون حتى تتوسع وتشمل كل حر يريد أن ينال حريته وكرمته وحقه في العيش الحر على أرض وطنه مهما كان عرقه أو دينه أو جنسه.
وبدأت انتفاضة القامشلي في 12 آذار عام 2004 أثناء مباراة بين ناديي الجهاد والفتوة، عندما استغل النظام البعثي آنذاك الفروقات العرقية وأجّج الصراع بين الجماهير. استُخدمت الهتافات التحريضية، ثم تطورت الأحداث إلى إطلاق نار مباشر على المدنيين الكرد، ما أسفر عن سقوط 38 شهيداً واعتقال الآلاف، لتتحول هذه المجزرة إلى انتفاضة شعبية شاملة.
ومن حيث المبدأ فإن النظرة العامة لحراك القامشلي في ١٢ آذار ٢٠٠٤ كانتفاضة وكتأسيس للحراك الشعبي الحالي لا يمكن تجزأته، فالخطاب السياسي في ١٢ آذار كان مفاده الدعوة إلى سوريا ديمقراطية وبرلمانية وتعددية، هو نفسه الخطاب الذي نادى به السوريين في ١٥ اذار ٢٠١١.
وإن انتفاضة القامشلي كانت بمثابة إحدى أهم دعائم الحراك الثوري السوري المندلع بدوره في منتصف آذار ٢٠١١، فلم تكن انتفاضة ١٢ آذار ٢٠٠٤ حالة شغب لجماهير كرة القدم كما حاول النظام ومن يجري في فلكه محاولاً تسويقها للعقل السوري، بل كانت انتفاضة حقيقية انطلقت من القامشلي، رافقها هجمة إعلامية موجهة.
وبالرغم من ذلك عمت الانتفاضة عموم مناطق شمال وشرق سوريا ووصولاً لدمشق وحلب، وأحدث صداها مدى واسعاً والتفاتاً لم يقتصر على ضرورة تعزيز حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا، وإنما كانت بمثابة إحدى أهم دعائم الحراك الثوري السوري المندلع بدوره في منتصف آذار ٢٠١١.
ومن بعد انتفاضة ٢٠٠٤ فإن المواطنين السوريين كانوا تجاوزوا بوعيهم ألاعيب نظام الأسد، وعندما انطلقت الثورة السورية في آذار ٢٠١١، وجدوا أنفسهم يهتفون بصوت واحد بسقوط النظام الاستبدادي، بعد أن أسقطت الثورة الحواجز التي زرعها بينهم وكشفته على حقيقته، نظام عائلي لا هدف له سوى الحفاظ على السلطة بأي ثمن.
وكانت بداية انضمام الكرد إلى الثورة على النظام، هو في جمعة التضامن مع مدينة درعا، التي كانت تتعرض للحصار وأهلها للقتل، ليسمي السوريون بعد ذلك إحدى جُمع ثورتهم (جمعة آزادي/الحرية)، وليهتف السوريون للحرية، التي طافت على أجنحة الثورة السورية حول العالم، وليعمّد الثوار الكرد بدمائهم ثرى سوريا.