لكل السوريين

تلوث المياه في حمص.. الأهالي لا زالوا يعانون من آثار النظام

حمص/ بسام الحمد

يواجه سكان منطقة الحولة في ريف حمص الشمالي كارثة صحية متفاقمة نتيجة تلوث مياه الشرب بمياه الصرف الصحي، فقد بات السكان يلاحظون تغيرات واضحة في لون المياه ورائحتها، وسط تصاعد المخاوف من خطورة استهلاكها.

هذا التلوث، الذي استمر لسنوات دون أي تدخل فعلي لمعالجته من قبل النظام المخلوع، لم يقتصر تأثيره على جودة المياه فحسب، بل أصبح سبباً رئيسياً في انتشار العديد من الأمراض الخطيرة، بدءاً من التهابات الجهاز الهضمي والأمراض الجلدية، وصولاً إلى حالات السرطان التي أودت بحياة العديد من الأهالي.

يشكل تلوث مياه الشرب بمياه الصرف الصحي تهديداً متزايداً على صحة الأهالي في الحولة، في ظل غياب الحلول وضعف البنية التحتية، مع انعدام أي إجراء لمعالجة تلوث المياه، مثل تحسين بنية الصرف الصحي وتعزيز الرقابة على المياه الملوثة.

وقال رئيس أحد المجالس المحلية في الحولة: “إن مشكلة تلوث مياه الشرب بمياه الصرف الصحي أصبحت خطراً كبيراً على الصحة العامة، حيث يؤدي انسداد شبكات الصرف الصحي إلى اختلاط المياه الملوثة بمياه الشرب، خاصة خلال فترات هطل الأمطار، مما يتسبب في ارتداد مياه الصرف الصحي عبر المصارف إلى داخل المنازل”.

وأضاف: “تفاقمت هذه الأزمة خلال سنوات الثورة وما بعدها، حيث لجأ العديد من الأهالي إلى استجرار خطوط المياه بشكل عشوائي بسبب غياب الخدمات، مما أدى إلى ثقوب في شبكات المياه وتمديدات غير خاضعة للرقابة، وهو ما أسهم في انتشار التلوث بشكل أوسع”.

وأوضح أن الوضع الصحي في المنطقة بات مقلقاً، إذ تنتشر الأمراض المعدية مثل التهاب الكبد والتهابات الأمعاء بشكل متكرر بعد كل موجة أمطار، لافتاً إلى وجود ارتفاع في حالات الإصابة بالسرطان، مما دفع الأهالي إلى الربط بين تلوث المياه وتزايد هذه الأمراض.

وحول دور البلديات، أكد أنها حاولت التدخل لكنها تفتقر إلى الإمكانيات اللازمة، لافتاً إلى أنها تواصلت سابقاً مع النظام ومديريات المياه والصرف الصحي في حمص، لكن الرد كان واضحاً بعدم توفر أي حلول أو إمكانيات، مما يعني تأجيل حل الأزمة إلى أجل غير مسمى.

وشدد على أن تلوث مياه الشرب لا يمكن السكوت عنه أو تأجيله، فهو يشكل خطراً مباشراً على الصحة العامة ويتطلب استجابة عاجلة قبل تفاقم الكارثة.

وفي ظل هذا الواقع المقلق، حذّر مدير مشفى الحولة الوطني، عبد الكافي بركات، من المخاطر الصحية الجسيمة الناتجة عن تلوث مياه الشرب بمياه الصرف الصحي، حيث تحتوي هذه المياه على ملوثات بيولوجية وكيميائية قد تسبب أمراضاً خطيرة تهدد حياة السكان.

ووفقاً لـ بركات، فإن من أبرز هذه الأمراض الكوليرا والتيفوئيد، الذي يسبب حمى شديدة واضطرابات معوية قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة. كما أشار إلى أن تأثيرات تلوث المياه لا تقتصر على الجهاز الهضمي، بل تمتد لتشمل التهاب الكبد الوبائي (أ)، الذي يسبب التهاباً حاداً في الكبد، وشلل الأطفال، الذي قد يؤدي إلى إعاقة دائمة.

ويؤكد مدير المشفى أن خطورة هذه الأمراض قد تتضاعف وفقاً لنوع الملوِّث وكميته، بالإضافة إلى الحالة الصحية للأفراد، إذ يكون الأطفال وكبار السن أكثر عرضة للمضاعفات. لذا، فإن اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة هذا التلوث أصبح ضرورة ملحّة لحماية صحة السكان ومنع انتشار الأوبئة.

تعد مشكلة تلوث المياه من القضايا القديمة التي تمتد لعدة سنوات، حيث كشف مدير الشؤون الصحية شمالي حمص، عن “فضيحة صحية خطيرة” ارتكبتها سلطات النظام السابق في تعاملها مع قضية تلوث المياه قبل 15 عاماً، وذلك أثناء إجراء دراسة بيئية حول تلوث المياه في منطقة الحولة عام 2010.

وقال: “إن الدراسة التي أجريتها شملت مسحاً شاملاً لقنوات الري الزراعية المتصلة بسد الحولة، حيث تبين أن مياه الصرف الصحي القادمة من عدة قرى جبلية، مثل فاحل، والشرقلية، والقناقية، والقبو، تُصب مباشرة في سد الحولة (سد تلدو)، الذي يُعدّ منطقة منخفضة، مما أدى إلى تلوث شديد في المياه”.

وأضاف: “كان المزارعون في محيط السد يعتمدون على هذه المياه لري مزروعاتهم الصيفية، مما أدى إلى انتشار واسع للأمراض المعدية مثل الحمى التيفية (التيفوئيد) والمالطية، بالإضافة إلى أمراض جلدية مثل الإكزيما والفطريات، مما أسهم في خلق بيئة وبائية في المنطقة”.

وأشار إلى أنه قدّم تقريراً رسمياً إلى إدارة البيئة، التي أحالت القضية إلى وزارة الصحة في دمشق، وبعد إجراء الكشف الميداني، وثّقت الفرق المختصة التلوث البيئي الشديد والتغيرات الخطيرة في لون المياه ورائحته.

وأوضح أنه خلال وجود الفرق المختصة في الموقع، كانت المياه تبدو سوداء تماماً وتنبعث منها روائح كريهة، بالإضافة إلى وجود كائنات حية تأثرت بالتلوث، مثل سلاحف بلغ وزن بعضها ما بين 9 و10 كغ، والتي تحولت أيضاً إلى اللون الأسود.

ورغم هذه الأدلة الدامغة، فوجئ المدير بإصدار تقرير رسمي من اللجنة المكلفة بالتحقيق، يفيد بأن مياه الصرف الصحي “صالحة للشرب والسقاية”، وهو ما اعتبره نتيجة لضغوط مورست من ضباط ينتمون إلى القرى الجبلية العلوية المحيطة بالحولة، والذين كانوا يخدمون في القصر الجمهوري.

وتابع: “بناءً على هذا التقرير المُضلِّل، قرر محافظ حمص حينذاك سحب تكليفي بوضع الحلول المناسبة، وأُغلق الملف بشكل كامل، رغم استمرار المخاطر الصحية التي تهدد المنطقة وسكانها، وتأثيرها الممتد لسنوات”.

استجابةً لشكاوى السكان المتكررة حول تلوث مياه الشرب، خاصةً مع ملاحظتهم تغير لونها عند وصولها إلى المنازل، تم تشكيل لجنة مشتركة مع البلدية تضم مجموعة من المهندسين والمختصين لدراسة المشكلة واقتراح حلول عملية.

والسبب الرئيسي لتلوث المياه يعود إلى تهالك شبكة الإمداد القديمة، المصنوعة من أنابيب PVC المتآكلة، والتي لم تعد صالحة للاستخدام. وأكد أن الحل الجذري يتطلب إعداد دراسة متكاملة ودفتر شروط فنية لاستبدال الشبكة بالكامل، مشيراً إلى أن هذا الأمر يقع ضمن اختصاص الشركة العامة للمياه.

ويبدأ الحل، بـاستبدال خطوط المياه القديمة، إلى جانب معالجة مياه الصرف الصحي من خلال: تشغيل محطات الضخ وتزويدها بمضخات فعالة. وتأمين خط كهربائي دائم لضمان استمرار تشغيل المحطات. وإنشاء محطة معالجة متكاملة لمياه الصرف الصحي كحل مستدام للحد من التلوث البيئي وحماية صحة السكان.