تقرير/ خالد الحسين
تتكاثر المسميات وتتراكم المصاريف على المواطن السوري وحصراً الموظفين ممن يقبضون ما يقل عن ٣٠٠ ألف ليرة سورية (حوالي ٢٥ دولار) فما الذي يمكن أن يشكله هذا المبلغ وسط زحام الأسعار.
وتدخل مفردة الحرمان في قاموس المفردات السورية كمتلازمة يومية طالت معظم المواد الأساسية، وصلت إلى الأطعمة والفاكهة والأدوية، لكن قسوتها الأكبر كانت على الأطفال، وخاصة حرمانهم من “الأكلات الطيبة”، من سكاكر وبسكويت ورقائق بطاطا (شيبس) ومشروبات وغيرها من الأكلات التي باتت دون قدرة الآباء على شرائها بعد تضاعف أسعارها.
في كل شارع وعلى واجهة بيع كل محل تنتشر بسطات ورفوف تمتلئ بأشكال مختلفة من “الأكلات الطيبة” وبألوان زاهية تجذب الأطفال ليسيل لعابهم وتزيد مطالبهم منها، تتفلت أيديهم الصغيرة من قبضة أمهاتهم، يتجهون نحوها تاركين أهلهم أمام خيارين لا ثالث لهما، الرفض مع ما يحمله من قسوة الحرمان أو الموافقة لتحلّ “بسكويتة وكيس من الشيبس عوضاً عن وجبة الغداء أو علبة الدواء”.
تفتش أم مهند حقيبتها مراراً علّها تجد ما ترضي به طفلها الذي تمسك بعمود بسطة أمام أحد محلّات سوق باب جنين في حلب، يمدّ يده على الأكلات المتنوعة فوقها، يشير إلى هذه وهذه وهذه طالباً من والدته شرائها له، يرفع قدماً وينزل قدماً على الأرض في حركة احتجاجية يطالبها فيها بالإسراع، لكن ما تملكه من نقود لم يسعفها بتلبيته.
تجول بنظرها على الأكلات المتنوعة علّها تجد شيئاً بثلاثة آلاف ليرة سورية، ما تبقى معها من راتب زوجها الموظف في إحدى المؤسسات الحكومية، تسأل صاحب المحل الذي ضاق ذرعاً بكثرة الأسئلة وصوت بكاء الطفل عن الأسعار، قبل أن يلتفت إلى وجه الأم الذي غابت ملامحه، يمدّ يده إلى علبة من السكاكر يحمل منها بضع حبات يناولها لمهند، لتغيب الأم وطفلها في زحام السوق ويبقى صدى صوت بكاء مهند يرن في آذان الجميع.
تضاعفت أسعار الأكلات الطيبة خلال السنوات الأخيرة أضعافاً كثيرة، ومع تراجع القدرة الشرائية باتت حكراً على فئة محددة من التجار وأصحاب رؤوس الأموال، إذ يتطلب شراء نوع واحد يومياً من الأكلات المحلية دفع أكثر من راتب موظف أو عامل في مختلف المناطق السورية.
أحد التجار في سوق باب جنين بحلب زعم أن بعض مأكولات الأطفال يصنع محلياً والبعض الآخر مستورد، ويدخل في إنتاجها كميات كبيرة من السكر إضافة لمواد أولية أخرى تعد مكلفة على أصحاب المعامل، وتأخذ جهداً في التصنيع، ما يدفعهم لرفع أسعار انتاجهم.
وتتنوع الأكلات بين الصناعة المحلية والمستوردة، لكن الأخيرة، بحسب من تحدثنا معهم اقتصر وجودها في المحلّات الكبرى والمولات فقط. وتتراوح أسعار الأكلات المصنعة محلياً في حلب بين 3 إلى 6 آلاف ليرة سورية لأكياس “الشيبس” الصغيرة ونحو 10 آلاف للكبيرة، البسكويت بين 2 إلى 6 آلاف للقطعة الواحدة، الكيك بين 5 إلى 10 آلاف، الأكلات الصغيرة مثل (علكة -مصاصة) نحو 1500 ليرة، الشوكولا بين 3 إلى 15 ألف بحسب حجمها ونوعها.
تنقص الأسعار في مدينة دمشق عنها في حلب، إذ من الممكن العثور على “بسكويت” بسعر يتراوح بين ألف إلى ألفين ليرة لأنواع محددة وبأحجام صغيرة، في الوقت ذاته تزيد أسعار أكلات أخرى بسبب تكلفة الشحن والنقل، كذلك تزيد أسعار الأكلات المستوردة للسبب ذاته، خاصة وأن معظم هذه المواد تأتي من لبنان.
غسان، صاحب دكان أمام مدرسة أطفال في حي صلاح الدين بحلب تحدث عن ارتفاع بنسبة تتراوح بين 25 إلى 30% خلال الشهر الماضي على معظم أسعار الأكلات وهو ما أثر على حجم المبيعات منها في دكانه إلى النصف تقريباً. علاقة من الودّ تجمع غسان بأطفال المدرسة المواجهة لدكانه، يعرف أسماءهم ووجوههم، وعند استغرابنا من إجابته قال إن من يزوره يومياً تناقص ليصبح العدد أقل من ثلاثين طفلاً يومياً.
تضم المدرسة نحو ألف طالب ليسوا جميعهم زبائن غسان، يقول إن معظمهم “ليسوا زبائن أحد”، وإن قلّة من الأطفال من تزوره يومياً، آخرون يزورونه أسبوعياً، أما غالبيتهم فيشيحون بوجوههم إلى الطرف الآخر من الدكان عند المرور أمامه.
وتطلب منا أم مصطفى ألا نسألها حول أسعار الأكلات، تقول “اختصاصي من الألفين وتحت”، وهناك ما يمكن شراؤه بمثل هذا المبلغ تضحك “بسكوتة عاملة ريجيم، نصف مصاصة أو ربعها، كيس بطاطا فيه الكثير من الهواء وخمس حبات..”.
يرقّع الأهالي يومهم، يحاولون تأمين الستر لعائلاتهم لكن أكلات الأطفال ليست رفاهية يستطيعون تجاوزها وحرمانهم منها يجعلنا في مواجهة يومية معهم و لم يعد الطعم والحجم متشابهاً في كثير من الأكلات المحلية التي اعتدناها، اختصرت المعامل من المكونات الأساسية، خفّضت الكمية داخل العلبة الواحدة أو قلّلت من وزنها (مثل بسكويت دينغو أو تويست أو لميس) أو استخدمت مواد مختلفة مثل (رقائق الذرة عوضاً عن البطاطا الطبيعية) لتضيف أطفالاً آخرين إلى مشتري منتجها، أما أصحاب المحلّات فعمدوا إلى شراء الأكلات المنتجة في المحامص بالكيلو غرام و تعبئة أكياس صغيرة منها تتناسب مع أي فئة نقدية يملكها المواطن.
حلول أخرى وجدها آخرون بشراء الأكلات من البسطات لا من المحلّات رغم مخاطر عدم ترخيصها أو وجودها مكشوفة وعدم وجود تواريخ صلاحية عليها، “المهم إسعاد أطفالنا، لم يعد مهماً النوع الذي نشتريه، الأساس أن يكون السعر في متناولنا”.