ملفات المعتقلين.. قضية إنسانية تلاحق الأسد

تظّل قضية المختفين قسرياً في سوريا، واحدة من أبرز الملفات الإنسانية والحقوقية في الحرب السوريّة، منذ العام 2011، والتي انتهت بسقوط نظام الأسد وهروبه رئيسه “لاجئاً” إلى روسيا، في الثامن من شهر تشرين الثاني الجاري.
ومنذ اندلاع الثورة السورية، لجأ النظام السوري السابق وبشكل ممنهج إلى الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري كوسيلة لإسكات المعارضين، ووفقاً للتقارير الحقوقية، فقد بلغ عدد المختفين قسرياً أكثر من 136 ألف شخص.
ورغم فتح بعض السجون خلال السنوات الماضية، أي قبل سقوط النظام، فإنّ عدد المفرج عنهم لم يتجاوز الـ 31 ألفاً، ما يترك أكثر من 105 آلاف مختفٍ قسرياً، من دون معلومات عن مصيرهم.
وكان النظام السوري السابق يحتفظ بما لا يقل عن 100 ألف مختفٍ قسرياً، إلى جانب ما يتراوح بين 36 ألفاً و40 ألف معتقل معروف مصيرهم نسبياً، في حين أن 60 ألفاً إلى 64 ألفاً مصيرهم مجهول، مشيراً إلى أنّ الفجوة الكبيرة بين الأرقام، نتيجة للعدد الهائل من المعتقلين السوريين، الذين ما يزال مصيرهم مجهولًا.
وأصدر النظام السابق، عام 2018، بيانات وفاة لبعض المختفين عبر السجّل المدني، ما أثار التساؤلات حول طريقة وفاتهم، إذ تشير التقارير الحقوقية إلى وفاة العديد منهم تحت التعذيب أو نتيجة لظروف احتجاز غير إنسانية.
وقد بلغت الإحصاءات المسجّلة 1100 حالة وفاة، عام 2018، ولاحقاً 1600 حالة، بإجمالي 2,500 حالة مؤكّدة، كما جرى توثيق 6000 امرأة مختفية قسرياً، و2400 طفل من بين المختفين، مع وفاة 191 طفلاً و95 امرأة تحت التعذيب.
ثم أنّ العدد الحقيقي للمختفين الذين تمت تصفيتهم يصل إلى 85% من إجمالي المختفين، ما يرفع التقديرات إلى أرقامٍ أعلى بكثير، متهماً النظام السابق بمقتل 202 ألف، فضلاً عن تشرين قرابة الـ13 مليون سوري، منذ العام 2011.
وكانت أوضاع السجون السورية في عهد النظام السابق، “كارثية بكل المقاييس”، وأنّها مع أماكن الاحتجاز وأقبية الأفرع الأمنية، تتميّز بغياب التهوية، الاكتظاظ الكبير، وانعدام الخدمات الصحية، ما أدّى إلى تفشي كثير من الأمراض بين المعتقلين، ووفاة كثيرين منهم.
ومعظم الوفيات داخل السجون كانت بسبب الإهمال الطبي أو التعذيب الممنهج، فقد جرى توثيق 8 آلاف حالة وفاة مؤكّدة من خلال بيانات السجّل المدني، مع توقعات بأن تكون الأرقام الحقيقية أعلى بكثير.
واستخدم النظام السوري أساليب متعدّدة للتخلّص من جثامين الضحايا، بما في ذلك الحرق أو دفنهم في مقابر جماعية مجهولة، ثم أن هذه الادّعاءات تحتاج إلى تحقيقات معمّقة، بما يشمل الكشف عن أماكن الدفن -منها المقابر الجماعية- وأخذ عينات الحمض النووي للتعرّف على هويات الضحايا.
وتعمل منظمات حقوقية على جمع الأدلة باستخدام شهادات الناجين، عائلات الضحايا، ووثائق مسربة، وتؤكد على ضرورة استقلال القضاء السوري لإجراء محاكمات عادلة ومحاسبة المتورطين، الذين يُقدر عددهم بـ6000 ضابط على الأقل، ممن ارتكبوا هذه الجرائم على مدار 14 عاماً.
وكان “النظام السوري يعتمد على بيروقراطية صارمة لتوثيق المعتقلين، وهو ما ساعد شبكات على كشف الجرائم، لكن إصدار بيانات وفاة متأخّرة، يعكس محاولة النظام في طمس الأدلة”، إلا أنّه من بين الأساليب المثيرة للجدل، استخدام الأفران لحرق الجثث وإخفاء آثار التعذيب عليها، وهو ما يؤكد الطبيعة الإجرامية للنظام وسعيه للتخلّص من أي دليل يورّطه.
ويواجه ملف المعتقلين والمختفين قسرياً تحديات كبيرة، أبرزها: غياب الإرادة الدولية لمحاسبة النظام السوري، واستمرار محاولات التغطية على الجرائم، وافتقار الدعم الكافي للأسر المتضررة والناجين من المعتقلات.
يشار إلى أنّ ملف المعتقلين والمختفين قسرياً في سوريا، يعكس واحدة من أعمق المآسي الإنسانية المعاصرة، إذ إن تحقيق العدالة والكشف عن مصير الآلاف من المختفين، بعد سقوط النظام وفتح السجون، يتطلب جهوداً مكثّفة، محلياً ودولياً، لضمان محاسبة المسؤولين وإنصاف الضحايا وعائلاتهم.