لكل السوريين

في ظل تدفق كبير للمنتجات التركية.. ما مصير منتجاتنا؟

تقرير/ بسام الحمد

تحديات الاقتصاد السوري تبدو ثقيلة، في ثوب اقتصاد السوق الحر المفتوح، الذي يؤكد، وزير الاقتصاد باسل عبد الحنان التابع لسطلة دمشق، أن سوريا بدأت بارتدائه فعلاً. فالإنتاج الصناعي والزراعي شبه متوقف، والبنية التحتية مدمرة، مع وجود بطالة مرتفعة، إضافة لتصدّر سوريا، قائمة الدول التي يعيش معظم سكانها تحت خط الفقر، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.

يسترجع باحث اقتصادي ما حصل في الأسواق السورية، منذ سقوط النظام يوم 8 ديسمبر 2024، حيث استطاعت البضاعة التركية جذب المستهلكين السوريين بأسعارها المنخفضة، مقارنة بالمنتجات الوطنية. ويضيف: “البضاعة التركية، تصدّر لسوريا بسعر التكلفة، لأنها تعاني من الكساد، كما تُقدَّم لها إعانات تصدير مرتفعة، وإعفاءات جمركية، يفترض أن تصبّ في الخزينة السورية. وهو ما سيؤدي إلى إغراق الأسواق، وتراجع الصناعة السورية والانتاج، وزيادة أعداد العاطلين عن العمل”.

لكن وزير الاقتصاد عبد الحنان، يرى أن الصعوبات ستتزامن مع مرحلة “إعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية” فقط، ريثما تنجح الحكومة برفع العقوبات، وجذب المستثمرين، وهو ما يمكن أن يضع الاقتصاد السوري على طريق التعافي.

هل ستسمح لنا الدول الكبرى، أن نكون بلداً منتجاً، أم ستعمل على إبقائنا مستهلكين للبضاعة الوافدة؟ السؤال يبدو منطقياً اليوم، بعد أن اقتصر ترخيص “GL24″، الأميركي الخاص بتخفيض العقوبات، على قطاع الطاقة والتحويلات المالية الفردية، مستبعداً الاستثمارات. وهو ما دفع الباحث للقول: “كيف ستؤمَّن كلفة رفع الرواتب، البالغة، تبعاً لوزير المالية محمد أبازيد، 127 مليون دولار، وتخفيض العقوبات يمنع الاستثمارات الجديدة، إضافة إلى أن خزينة الدولة فارغة؟”.

وكان وزير الاقتصاد عبد الحنان، قد أكد أثناء حديثه عن اقتصاد السوق الحر، عن ضرورة الالتزام بـ”تطبيق سياسات حماية المنتج المحلي، للتركيز على القطاع الصناعي ودعمه بشكل كبير لتحفيزه، بالإضافة لدعم وحماية القطاع الزراعي”.

وللتشديد على دور الدولة، في الاقتصاد، حتى لو كان تنافسياً حراً، يحذر الباحث، من تكرار تجربة عام 2007، واتفاقية التجارة الحرة التي أبرمتها حكومة الأسد مع تركيا. ويقول: “دمرت تلك الاتفاقية، العديد من الصناعات والورش والمهن السورية، وكانت تلك السياسة الاقتصادية، سبباً مباشراً للثورة عام 2011”.

البحث عن الجذور الاقتصادية لأي مشكلة سياسية، يبدو ضرورياً، كما يرى الخبير حيث تحدث، عن عدة ضربات تلقاها الاقتصاد السوري مؤخراً، أهمها إغراق السوق بالبضائع المستوردة، والانخفاض الوهمي في سعر الدولار، وتجميد أموال الصناعيين في منصة تمويل المستوردات.

المحاذير التي لابد أن يتجنبها الاقتصاد السوري، في موضوع اقتصاد السوق الحر، كثيرة، حيث يشير الباحث إلى أن مستوردات سوريا من تركيا في شهر كانون الأول فقط، بلغت 233.7 مليون دولار، وتقول إنه رقم مرتفع جداً، وتضيف: “إذا استمرّ الوضع على هذه الحال، سنودع، ليس فقط القطاع العام الصناعي، المعروض للبيع بالجملة، بل والقطاع الصناعي الخاص أيضاً”.

ويؤكد وزير الاقتصاد عبد الحنان، أن اقتصاد السوق الحر، لا يعني غياب الدولة عن قطاعاته المختلفة، ويقول في لقاء مع وسائل الإعلام: “دور الدولة سيكون رقابياً تنظيمياً فقط، حتى في قطاعات الصحة والتعليم. ونرحب بوجود جهات استثمارية، والدور الرئيسي للحكومة هو تقديم الخدمات في هذه القطاعات “الصحة والتعليم”.

النهوض بالاقتصاد السوري، لا يبدو مهمة سهلة أمام الحكومة المؤقتة، فالليرة السورية خسرت 140% من قيمتها خلال 10 سنوات، كما لا يوجد أي احتياطي أجنبي في المصرف المركزي، مع وجود ديون بعشرات المليارات من الدولارات، ومعدلات بطالة تزيد عن 60%. في ظل ذلك، هل تستطيع البضاعة السورية، منافسة المستوردات الأجنبية، بالأسعار والجودة؟.

يخبرنا أصحاب مراكز التسوق ومحلات السوبرماركت، أن مصانع “الشيبس” والمعلبات السورية والألبسة، تحاول اليوم تصريف بضاعتها المخزنة، بالسرعة القصوى، لكي تتوقف عن العمل، لأن البضاعة التركية والأجنبية، بدأت تكتسح السوق، وهم غير قادرين على المنافسة!.

وبغض النظر عن آراء الأكاديميين وخبراء الاقتصاد، فإن سبراً واقعياً للأسواق السورية، يمكن أن يعطينا عيّنة حقيقية عما يجري، على صعيد القرارات والآراء النظرية.

في سوق الألبسة، كان متوسط سعر بنطلون الجينز الوطني قرابة 150 ألف ليرة، لكن صنّاعه تعرضوا لأزمة كبيرة، بعد دخول الألبسة التركية، مخفّضة الرسوم والكاسدة، إلى جانب ألبسة “البالة” من النوع الأول، حيث يباع البنطلون على أرصفة دمشق اليوم بـ10 آلاف ليرة!.

وإذا ما ذهبنا باتجاه أنواع أخرى من البضاعة، كالمعلبات، فإن علبة السردين الوطني، نوع “سيدي هشام” الأول، كان سعرها نحو 12 ألف ليرة، عندما دخلت البضاعة التركية، التي عرضت كل 3 علب سردين بـ20 ألف ليرة. الأمر نفسه يصحّ على علب المرتديلا، من الحجم الوسط، التي تباع بالسعر نفسه.

هذه المقاربة البسيطة، تنطبق على أنواع أخرى من البضاعة، مثل الأحذية، ومعدات التجميل، وأنواع الشوكولاه، والشيبس، ومعدات المطبخ الكهربائية، المعروضة في السوق، بأسعار لا يمكن للصناعة السورية أن تضاهيها.

الباحث الاقتصادي، يشير إلى نقطة أخرى يجب الانتباه إليها، قبل تبني اقتصاد السوق الحر، وهي تحقيق أركان تحرير سعر الصرف. ويقول: “يجب توفر مخزون كبير من العملات الأجنبية، قادر على تلبية العرض والطلب. وإلا، فالقرار سيفتح أبواب فساد كبيرة، لا يمكن إغلاقها”.

على الجانب المقابل، فإن المواطن لا يبدو مهتماً بالنوع الاقتصادي الذي يمكن أن تتبناه الحكومة، وجلّ ما يعنيه اليوم، عدم ارتفاع سعر الخبز، وتخفيض أسعار المواصلات بين المدن السورية وداخلها، إلى جانب الطبابة المكلفة جداً. لكن كل هذه القضايا، ليست إلا جزءاً من سلة واحدة، تحمل داخلها، شكل الاقتصاد، ورفع العقوبات، وجذب المستثمرين الخارجيين، وإعادة الإعمار.