لكل السوريين

الأمثال البحرية ذاكرة أهل الساحل السوري وتاريخهم البحري

تقرير/ أ ـ ن

لعب البحر دورا فاعلا وحيويا وكان له دور اجتماعي وثقافي واقتصادي لا يستهان به إذ كان اهتمام كل أهل الساحل السوري  ممن عاشوا على شواطئه إنما ينصب على الأعمال البحرية سواء كانت أعمال غوص أو صيد الأسماك أو الإبحار إلى البلاد المجاورة بغرض التجارة، لقد ارتبط أبناء الساحل ارتباطا وثيقا بالبحر منذ القدم الأمر الذي جعلهم يتعلقون بحياة السواحل تعلقا كبيرا، فقد اتصلت هذه الحياة بنشأتهم وتكوينهم وبالتالي مست حياتهم وجدانيا حتى أصبح هناك تعايش وتناغم أورث كثيرا من الأمثال البحرية التي شاعت وأصبح لها صيتا يتناقل فيما بينهم .

الحكم والأمثال ما هي في الحقيقة سوى أداة تعريف ووصف لواقع أوجزه المنطق، إنها بحق اختصار للمعرفة واختزال للبيان ونتاج حضارات وعناوين لأفكار الشعوب وتاريخهم وفلسفاتهم، فما من مثل قيل إلا وله قصة أو واقعة ذات أهمية وفي سطورنا القادمة سنتعرف أكثر على بعض الأمثال التي ابتدعها أهالي طرطوس واللاذقية.

ان المثل الشعبي البحري يمثل سلوك مجتمع الساحل ومعظم الشعوب الساحلية في العالم تتداول الأمثال البحرية في أحاديثها اليومية فهي كرواية تمثل جزء من آدابهم وقيمهم التي نقلوها عن أسلافهم وشعب الساحل السوري أحد الشعوب التي تقطن على سواحل جميلة وذات جغرافية اقتصادية ومميزات فريدة، وقد تكون الأمثال الشعبية كثيرة عند اهل الساحل، ويغازل بعضها الذاكرة بين حين وآخر، ولكن ما هو مرتبط بطقوس اهل الساحل التراثية يطرح بدلالات واقعية، وما يزال حاضرا حتى الآن، حيث أن الأمثال لابد أن تكون قد تأثرت بالحياة البحرية والملاحية، وأهل الساحل يغازلون عبر أمثالهم البحر ومكنوناته وسفن ومهن كانت سببا في نشوء تلك العلاقة الحميمة مع البحر وأهم الأمثال التي تعبر عن تلك الخصوصية المثل القائل: شو بدك بالبحر وأهواله والرزق على الله ، ويعبر هذا المثل عن القناعة والرضا بما قسم الله وتجنب الطمع والمخاطرة سعيا وراء الرزق في عمق البحر.

المهن البحرية قديمة ومتجذرة في وجدان سكان الساحل يمارسونها بحب وإصرار عجيبين وبقدر ما هي مهن تحتاج إلى خبرة وشجاعة فهي تحتاج إلى صبر يتحلى به البحار او الصياد قبل أن يهم هو ورفاقه برحلة الصيد سعيا للبحث عن لقمة العيش.

يقولون: شوف النو وبحلق بالجو قبل ما تبلش العوم، أي تعرف على الطقس والهواء وعلى عمق البحر قبل أن تسبح فيه، فالصياد يعرف عمق كل قطعة من البحر أي ان على الإنسان أن يحتاط في كل الأمور قبل الشروع في أي عمل.

والجو الجميل والمناسب للصيد بيكون السمك كتير ويتم اصطياده بدون أي ضربة أو خدش أو تشوه ناتج عن وجود عن طريق الاصطياد الخاطئة التي تشوه السمكة الكبيرة وتجعل ثمنها ضئيل فلو لم يكن فيها هذا العيب لكانت السمكة ذات قيمة عالية.

السكران يضرب على رأسه، والسكران تقال للشخص الذي يغطس في الماء وينقطع نفسه ويبدأ يضرب ويتخبط ويحرك الحبل المتصل بالأعلى على القارب او على الشاطئ، موضحا أن الإنسان يشعر ويحس بمشكلته أكثر من غيره ويتصرف وفق الظروف التي تواجهه.

اللي ما يقيس قبل ما يفوت بالمي بيغرق بشير، أي

 

أن الإنسان الذي لا يحسب عمق البحر ولا يقدر المسافة قبل أن يدخل فيه لابد أن يغرق وعندها لن ينتفع بشيئ، وبمعنى أن الشخص الذي يقتحم الأخطار ولا يحسب لها حسابا ولا يقدر الأمور حق تقديرها فهو هالك لا مـحالة.

الدوام في اللجة حلو، واللجة هو البحر العميق والمقصود به عرض البحر والدوام بالتشديد الواو هو ثمر السنديان ومر الطعم وغير مستساغ وليس حلوا كثمر البلوط، ولكن الدوام يكون له قيمته في عرض البحر أيام الصيد والغوص حيث يعمل البحارة وهم محرومون من أي نوع من أنواع الطعام ولساعات طويلة بمعنى أن الشيء مهما كان بسيطا ورديئا له قيمة وقت الضرورة وعند الحاجة إليه.

ومن الأمثال التي قيلت في الريس: إذا ربطت بتصيير ريس، يضرب عند تحكيم العقل وعدم الإبحار أيام الأنواء.

الريس بيجيب الريح من قرونه، ويضرب في مجال المهارة والقيادة.

ويقولون: لا يخدعك لون خشب المركب ترى قشره شرش، حيث ان المقصود بهذا المثل هو المراكب قبل ركوبها يتم دهنها بنوع من أنواع الدهانات القديمة، فتبدو أخشابها جميلة ولامعة وتسر الناظر وكأنها قوية وجديدة، غير ان بعض المراكب كانت تصنع من ألواح خشبية رخيصة ثم تدهن لتبدو لامعة تشبه الأخشاب الثمينة تماما لكن موج البحر كان دائما الحكم الاول والفيصل لان الغالي كما يقال رخيص وسعره فيه، ويقال لوصف الأشياء التي تبدو ثمينة وجميلة المظهر لكنها في الحقيقة رخيصة ورديئة من الداخل.

وهناك مثل أروادي، يعلم لكل البنات الراغبات في الزواج: ابرمي عكا وأرواد ولا تأخذي رجل عنده أولاد.

يا جزيرة أرواد اٍلك هامات مبنية، يضرب في مجال الافتخار.

كل هوا وله شراع، وهوا يعني الهواء والمقصود به

الرياح فالمراكب والسفن تستعمل أشرعة مختلفة الأحجام وذلك طبقا لاتجاه وسرعة الريح. والمعنى أن كل موقف له أسلوب معين يتماشى مع طبيعته وهو ينطبق مع القول: لكل مقام مقال.

إذا، الأمثال الشعبية عند اهل الساحل السوري، التي يتم طرحها على كل ما يتم القيام به وبفعله أو يحدث لمسيرة حياتنا اليومية، هي تاريخ يحاكي تلك الحياة التراثية التي عشناها، بدلالات لفظية شعبية محكية، الأمثال الشعبية بالساحل هي من صنيعة عامة اهل الساحل الذي ننتمي إليه في مرحلة تاريخية تراثية، بخلاف الحكم المأثورة التي تصدر عن مفكرين ومثقفين أو علماء بتعدد اختصاصاتهم، فهي إنشاء شعبي لم يكتب في كتب، بل نقل بالتواتر عبر الأجيال بعد أن عاشها الناس من خلال تجاربهم الحياتية الطويلة، حتى أصبح قاعدة تراثية لحالة اجتماعية معينة.

والمثل الشعبي يعتمد على السجع والرمزية في الوصف والتعبير والموسيقا، ترغيبا وتسهيلا لحفظه لدى الناس، ويمكن القول إن بعضها كان للتربية الاجتماعية وتعليم الناس، وهنا يمكن القول إن بعض الأمثال لم يك

ن لها حكاية وإنما كانت مرتبطة بحدث مناخي مثلا أو طقس اجتماعي معين، ومنها مثل ارتبط بمواسم الأمطار وغزارتها ومردوديتها على المحاصيل الزراعية.

اللي بيروح البحر بلاقي سمك واللي قعد بالبيت لقى الندامة، فالشخص الذي خرج لصيد السمك سينال سمكا لغدائه وينعم بوجبة طيبة ولذيذة بينما الشخص الذي يتقاعس عن الخروج لصيد السمك فإنه لن يجد شيئا وهذا جزاء المتقاعسين والمتكاسلين، ان هذا المثل يقال للحث على النشاط وتحريك الهمم في العمل.

ارم الخيط وعلى الله الصيد، والمعنى أن على الإنسان أن يسعى ومن الله التوفيق.

خيرك في الب

حر ما يضيع أو سوي خير وشلحوا بحر، أي اعمل خير ولا تنتظر كلمة الشكر أو العرفان لأن الذي يجزي على الأعمال الطيبة هو رب العالمين.

الغرقان يتعلق بقشة، يعني أن المحتاج يتعلق بكل طريقة يستطيع من خلالها تحقيق غايته وهدفه ولو كانت سببا ضعيفا، والقشة لا تنقذ غريقا ولكن كناية عن التعلق بكل الأسباب والبحث عن النجاة بكل الطرق المتاحة.

المسافر له في البحر طريق، مثل بحري يدل على أن الله يسهل الأمور ويذللها لمن يشاء، فالإنسان يجب ان لا ييأس ويجد في الطلب، كالمسافر في البحر رغم أهواله يجعل الله فيه طريقا سالما للمسافر.

أن ابن الساحل يمثل جزءا من ذاكرة البحر، هذه العلاقة الجدلية بين ابن الساحل وجاره الأزلي البحر تجلت في الكثير من حياة ابن الساحل التي تخضبت بالأزرق وحاورت المطلق ونشأت جراء ذلك عادات وطقوس وتقاليد اجتماعية وثقافية وإبداعية خصبة، ان قائمة الأمثال البحرية طويلة ولا يمكن حصرها بسهولة إلا أنها ما زالت راسخة في المشهد الثقافي لأهل الساحل السوري.