تقرير/ سلاف العلي
يشكل صيد الأسماك من البحر نحو 20% من الإنتاج، لكن سعرها أعلى بكثير من أسماك المياه العذبة، وهنا تعاني الثروة السمكية من تحديات أهمها الصيد غير المنظم، إذ تستخدم وسائل غير مشروعة مثل شباك الجرف، والسموم، والديناميت، والصعق الكهربائي، ويواجه الصيادون البحريون ارتفاع تكاليف الإنتاج، خصوصا الوقود، وغياب الدعم المناسب بما يمكنهم من احتمال تكاليف الإبحار، وتدعيم مراكبهم، وتطويرها، ومع قلة فرص العمل وتراجع القطاع الزراعي في تلك المنطقة يشكل البحر مصدر رزق لكثير من سكان الساحل في جبلة والمناطق القريبة من الساحل في اللاذقية، حتى وقت قريب.
وكان صيد الأسماك عند كورنيش اللاذقية وجبلة يعكس هواية عشقها سكان المدن المطلة على ساحل البحر المتوسط، غير أن الأزمة الاقتصادية جعلت الهواية مصدر رزق لكثيرين في ظل التدهور المعيشي الناتج عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية وزيادة معدلات الفقر والبطالة، لكن في الأسواق، يخضع الطلب لاعتبارات عدة، فهناك من يهتم بالجودة والطعم، وهناك من يريد الكم، ومع تراجع القدرة الشرائية للسوريين بصورة حادة، صار السعر هو الفيصل، فيزيد استهلاك الأسماك البحرية في الصيف عندما ينخفض ثمنها نتيجة وفرة الصيد، فيما يزيد استهلاك أسماك المياه العذبة من منتصف الصيف حتى نهاية الخريف، ولناحية الفوائد، كما أن الأسماك غنية بالفيتامينات، وبالمعادن كالفوسفور، واليود، وبالأحماض الأمينية، والبروتينات.
السيد أبو عمر وهو من صيادي الأسماك البحرية في مدينة جبلة منذ أكثر من 30 سنة وتوارث المهنة عن والده يقول: أن صيد السمك من البحر يحتاج بالأساس إلى التجهيزات، من المركب إلى الشباك، ويتم الصيد بمراكب كبيرة وقليلة، ولا تحوي جهاز سونار لاكتشاف الأعماق والأسماك أسفل المركب، الصياد غير قادر على اكتشاف السرب إذا لم يمر المركب فوقه مباشرة، يتم الصيد اعتمادا على النظر، وبالنظر إلى طول الشريط الساحلي السوري الذي يبلغ نحو 183 كلم، وعمق المياه الإقليمية 12 ميلا بحريا، يمكن مضاعفة ارقام الصيد البحري مع قليل من الاهتمام بتطوير أدوات الصيد وتوفير الوقود اللازم.
كما أن المزارع السمكية العذبة لا تحتاج بنية تحتية معقدة وتمكن الاستفادة من المياه الناتجة منها في الريِّ لغناها بالمغذيات، ويضيف أبو عمر: لقد منحت الهيئة العامة للثروة السمكية ست موافقات مبدئية لمشاريع مزارع أسماك بحرية لإقامتها في الساحل، ثلاث عائمة حرة في البحر، وثلاث شاطئية، ويشكو مربو الأسماك في الأحواض من ارتفاع أسعار الأعلاف، وتقلبها بشكل جنوني، ما يجعل الربح مسألة غير مضمونة على الإطلاق.
السيد غافر وهو صياد سمك منذ أكثر من 10 سنوات على شواطئ اللاذقية يقول: بعض أبناء شواطئ اللاذقية يجدون فرصة لالتقاط رزقهم عبر صيد السمك من البحر، رغم كل التضييقات والحصار على الشواطئ وتحويل قسمه الأعظم للاستثمارات، يقطع الصياد يوميا عدة كيلو مترات في طرق ترابية ورملية غير معبدة ليصل شاطئ البحر، بعدما يكون قد جمع بقايا فتات الخبز من البيت او أماكن أخرى، وأن طرق الصيد تختلف تبعا للإمكانات المادية المتاحة، وثم شراء كمية من علف الأسماك لتكون الطعم خلال عملية الصيد، رغم الغلاء الفظيع لعلف الأسماك، والسمك الذي يتم اصطياده يتم عرضه للبيع على العربيات والبسطات والتجار وعلى الطرقات، لا سيما مع انخفاض فرص العمل، وقلة موارد الدخل، ومع عشوائية صيد الأسماك البحرية، يحتاج الصيادون بعض المعدات الأساسية، من قارب وسنارات وشباك تقليدية وغيرها، وتتباين الأسعار بحسب فاعلية الأدوات وجدواها في الصيد، والبعض يعتمد على الشباك التقليدية في صيده، فيما يعتمد آخرون على الصيد من خلال وضع العلف والطعم في بقعة منتقاة من شاطئ البحر، تمد الشباك في محيط المنطقة التي وضع العلف فيها بشكل دائري، ثم تسحب الشباك نحو الشاطئ لتجمع الأسماك التي علقت في الشباك.
السيد مروان وهو صياد سمك في شاطئ اللاذقية يقول: إن بيع الأسماك للتجار في سوق اللاذقية أو سوق جبلة، خاسر جداً، لأن التجار يفرضون علينا أسعارا متدنية، وإقبال الزبائن على شراء الأسماك من الصيادين من البسطات والعربيات والطرق، يعود إلى رخص الأسعار، وضمان أن الأسماك طازجة، تشهد أسعار السمك في اللاذقية وجبلة ارتفاعا ملحوظا، وهذا يعود إلى ارتفاع مستلزمات الصيد بشكل عام، مبيناً أن عدم منح الصياد المازوت المدعوم اضطره لشراء المازوت من السوق الحر بأسعار مرتفعة ما يجبره على دفع مصاريف مرتفعة لصيد السمك، إضافة لتكاليف شراء أدوات الصيد الأخرى، وأن الصياد يعتمد على حظه في هكذا مهنة، يبحر الصياد في مركبه ليصطاد الأسماك من البحر، وهناك احتمالات لأن يرزق بصيد جيد وهناك احتمال العكس، إلا أنه في كلا الاحتمالين يكون قد استهلك محروقات خلال رحلة البحث عن الرزق، كمن يبحث عن رزقه في المجهول، واكد على أهمية أن يتم توفير المازوت المدعوم لتخفيف الأعباء عن الصيادين، وهنالك العديد من الصيادين تركوا هذه المهنة ورصف مراكبهم على البر بسبب عدم القدرة على مجاراة تكاليف الصيد، وتخلى ما يقارب 20% منهم عن المهنة بسبب ارتفاع تكاليف الصيد ما تسبب بخسارة مصدر رزقهم الوحيد والبحث عن بديل لهذه المهنة التراثية القديمة التي تشتهر بها محافظة اللاذقية منذ مئات السنين، وفيما يخص أسعار السمك، إن أهل اللاذقية اعتادوا في الصيف أن يكون السمك ببلاش تقريبا ، على سبيل المثال أشار إلى ارتفاع أسعار البلميدا وهو سمك الشعبي كونه أرخص الأنواع وكان بإمكان أي عائلة أن تطهوه يومياً في السابق نظرا لأسعاره المنخفضة، أما حاليا فسعر الكيلو منه يتجاوز 45 ألف ليرة، إضافة لأنواع الشكارمي والغريبة، وسعر كغ سمك من الأنواع الجيدة سواء القجاج أو اللقز وغيرها ما بين 150 الى 200 ألف ليرة للكيلو الواحد ومنها يتضاعف سعره حسب النوع، كل شيء غال، الأسعار لا تعرف الاستقرار، تطير وتقفز كأنها في ماراثون، وراتب الموظف لا يلبي 20 في المائة من احتياجاته الأساسية، لذلك تحولت اهتماماته إلى مهنة لكسب الرزق واستكمال تلبية متطلبات الحياة في ظل الغلاء الحاصل، وارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات.
وأوضح السيد جهاد وهو صاحب محل للأسماك بالمدينة، أن أسعار الأسماك ارتفعت الى حوالي 60%خلال الشهر الأخير نتيجة لرفع الدعم عن المحروقات وتكاليف التبريد، لا سيما في ظل ما تشهده البلاد من تقنين قاس لاستهلاك الكهرباء، وهنالك ضعف حركة البيع خلال هذه الفترة، في ظل تراجع القدرة الشرائية وضعف الرواتب والأجور، وعدد كبير من الصيادين توقفوا عن الصيد هذا الموسم لعدم توفر المازوت، فمخصصات كل مركب يتم تسليمها بحسب حجم المركب، وتبلغ ما بين 12 و24 لترا يومياً، وهي لا تكفي لجولة صيد واحدة، ناهيك بعدم الالتزام بتوقيت التسليم، وارتفاع أسعار الأسماك يعود إلى أن صيانة قوارب الصيادين وسعر زيت المحركات وصيانة الشباك؛ جميعها تكلفتها أصبحت مرتفعة، يتبع ذلك ارتفاع تلقائي في أسعار الأسماك ليستطيع الصيادون الاستمرار في مزاولة مهنتهم.