يعتبر الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان من الشخصيات الإصلاحية الإيرانية البارزة التي طالما انتقدت سياسات الحكومة الحالية في مجال حقوق الإنسان. وينظر كثيرون إلى فوزه على أنه انتصار للتيار الإصلاحي في إيران، ويتوقعون أن يحدث تغييرات هامة في سياستها الداخلية والخارجية.
بينما يرى آخرون أن تمرير ترشح بزشكيان والسماح بفوزه، جاء ضمن توجه النظام الإيراني لإظهار بعض التغييرات كجزء من خطة تظهر استجابته للمتغيرات الدولية والمطالب الداخلية، دون تأثير فعلي على هيكل النظام الأساسي.
فالانتخابات في إيران محكومة بمعايير تضمن بقاء النظام الحاكم دون تغيير جذري، حيث يتمتع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية بسلطات واسعة تجعله الشخصية الأقوى في البلاد، وتعتبر العلاقة بينه وبين الرئيس الإيراني مهمة لضمان الاستقرار السياسي واستمرار النظام الحاكم.
ولعل ذلك ما يفسر بداية بزشكيان عهدته الرئاسية بكلمة ألقاها أمام ضريح الخميني، وحملت كثيراً من الدلالات انطلاقأ من تركيزها على ذكر المرشد الأعلى ووصفه بالقيادة الحكيمة ومروراُ بإلقائها من أمام ضريح مؤسس الجمهورية الإيرانية، ووصولاً إلى حرصه على وجود حفيد هذا المؤسس إلى جواره في أول ظهور له بصفته رئيساً للبلاد.
مرونة تكتيكية
على الأرجح، جاءت خطوة السماح بفوز رئيس إصلاحي في إيران ضمن استراتيجية خامنئي الرامية إلى تمرير بعض التغييرات وتقديم بعض التنازلات الإصلاحية لتجنب ثورات أو اضطرابات كبيرة يمكن أن تهدد وجوده.
ويمكن تفسير هذه الخطوة بمجموعة من العوامل، منها الاستجابة لمطالب الشعب والضغوط الدولية، من خلال اعتماد استراتيجية تغيير تدريجية ومرونة تكتيكية.
ولقد أظهر النظام الإيراني مثل هذه المرونة في السابق من خلال السماح بانتخابات حرة نسبياً كوسيلة للتخفيف من الضغوط الاجتماعية والسياسية.
وأدرك مع مرور الوقت، أهمية الحفاظ على التوازن بين التيارات السياسية المختلفة لضمان استقرار النظام واستمراره، ورأى أن وجود رئيس إصلاحي يمكن أن يساهم في تهدئة الاحتقان السياسي والاجتماعي في البلاد، وخاصة بعد الاحتجاجات الشعبية الكبيرة الأخيرة والضغط الشعبي المتزايد من أجل الإصلاحات السياسية والاقتصادية، فسمح بانتخاب رئيس إصلاحي لتهدئة الشارع الإيراني والاستجابة لبعض مطالب الإصلاحيين.
كما رأى أن وجود رئيس إصلاحي يمكن يحسّن صورة إيران على الساحة الدولية، ويخفف من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها مما قد يؤدي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
انفتاح دبلوماسي
مع انتخاب الإصلاحي مسعود بزشكيان رئيساً لإيران، تواجدت فرصة أمام طهران لكي تخفف من حدة سياستها الخارجية من خلال انفتاح دبلوماسي جديد، حسبما ذكر مسؤولون وخبراء حاليون وسابقون لصحيفة “نيويورك تايمز”.
ومع أن بزشكيان يتمتع بخبرة قليلة في السياسة الخارجية يعترف بها، لكنه تعهّد بتمكين معظم الدبلوماسيين الإيرانيين المؤيدين للعولمة من إدارة أجندته الخارجية، مما يزيد من فرص إقامة علاقات أكثر دفئاً مع الغرب.
واعتبر دينيس روس، المساعد الخاص للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، أن بزشكيان “يمثل موقفاً أكثر واقعية وأقل تصادمية تجاه الخارج والداخل”.
ومع ذلك، أشار روس إلى أن المرشد الأعلى الإيراني “سيفعل الكثير للحد من الأجندة الدولية لبزشكيان”، فصلاحيات الرئيس في إيران محدودة إذ تقع المسؤولية الأولى في الحكم في البلاد على عاتق المرشد الأعلى الذي يعتبر رأس الدولة.
أما الرئيس فهو مسؤول عن تطبيق الخطوط السياسية العريضة التي يضعها المرشد الأعلى.
آفاق السياسة الخارجية الإيرانية
قد تتأثر السياسة الخارجية الإيرانية في عهد بزشكيان بعوامل وسياقات محلية ودولية يصعب التنبؤ بتفاصيلها، ويمكن استعراض بعض آفاقها المحتملة بناء على الخلفيات السياسية والسياقات الراهنة.
فقد يسعى بزشكيان إلى استئناف المفاوضات مع القوى الغربية بشأن الاتفاق النووي في محاولة لتخفيف العقوبات الاقتصادية وتحسين الوضع الاقتصادي الداخلي، وقد يحافظ على نهج متوازن يجمع بين المطالبة بحقوق إيران النووية مع إبداء بعض المرونة لكسب ثقة المجتمع الدولي.
ومن المرجح أن يستمر بزشكيان في تعزيز علاقات بلاده مع روسيا والصين، في المجالات السياسية الاقتصادية والعسكرية، لموازنة علاقاتها المتوترة مع دول الغرب، وأن يسعى إلى تحسين العلاقات مع الدول الخليجية المجاورة مثل السعودية والإمارات لتهدئة التوترات وتحقيق الاستقرار الإقليمي، مع التركيز على الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي.
ومن المؤكد أن يستمر في دعم حلفاء إيران في المنطقة مثل سوريا وحزب الله، لكن ربما بتوجه أقل استفزازاً وأكثر دبلوماسية من الوضع الحالي.